الخداع المفبرك
د. ميثاق بيات ألضيفي
الخوف والخداع غالباً ما يرتبط بمساقات السلوك الشخصي وحتى السياسي، ومفهوم الخداع يمكن استخدامه أيضًا لتمكين قوى سياسية مختلفة ومجموعات وأحزاب وتحالفات لإظهارها قوة أو نفوذ أكبر مقارنة بقواها الفعلية والمتوفرة، ويقوم عدد من علماء السياسة وعلماء النفس السياسيين بتطوير إستراتيجية خداعية كأحد آليات ووسائل التأثير السياسي، وعلى عكس الخداع والاستفزاز يتميز هذا النوع من الخداع بدرجة عالية من الاقناع بصوابه وانفتاحه على النتيجة المرجوة، وتتجلى عناصر الخداع في استخدام الكلمات والعبارات المتواجدة في أي هيكل أيديولوجي وخطاب سياسي في المفردات السياسية العادية وغالبًا ما يستخدم كمصطلح للإشارة إلى الإجراءات السياسية غير المعقولة.
الساسة المتمرسون قادرين على تضليل خصومهم بشكل مصطنع يؤثر على مشاعرهم ويستفزهم، وبفضل ذلك التأثير فإنهم إما يميلون إلى جانبهم أو يكتسحوهم من الساحة السياسية، وغالبًا ما تهدف الأنشطة الهدامة إلى تغيير رأي الشعوب بشأن سياسة معينة وتتغير سيكولوجية الناس وسلوكهم في المجتمع وتقييمهم للسياسي الذي دعموه لسحب جزء كبير من الناس إلى جانبهم. وغالباً ما يؤثر السياسيين الذين يتعاملون مع التأثير النفسي على العقل الباطن للشعوب لذلك فإن العناصر الأكثر شيوعًا لذلك التعرض من أجل الخداع المصطنع تتمثل في التأثير على المشاعر الوطنية والتأثير على العواطف والمجالات الغريزية المختلفة وخلق الصور النمطية الزائفة من الإدراك والتفكير، وبشكل عام يميل السياسيين إلى الخداع بشكل مباشر وغير مباشر ويروجون المعلومات الكاذبة ليتم ذكرها مرارا وتكرارا في وسائل الإعلام وإذا ثبت أن هذه الأكاذيب منطقية فإن أوهام الشعوب عيرها ستكون أكثر انجذابا للخداع. ومن أجل خلق مظهر الموضوعية والدقة غالبًا ما يلعب السياسيين أو يتلاعبون بالأرقام والحقائق عبر نشر بيانات البحوث الاجتماعية والتي غالبًا ما تكون تلك البيانات غير موثوقة أو يتم تنفيذها بشكل غير صحيح من قبل ذوي التفكير المغامر ومع مثل ذلك التلاعب يمكن نشر تصنيفات السياسيين والتي بدورها يمكن أن تؤثر أكثر وتخدع الرأي العام أكثر، فيخيف بعض السياسيين الشعوب بالخرافات والحكايات التي اخترعوها من أجل خلق الاكتئاب وعدم الراحة العاطفية وتحييد قدرة الناس على التفكير المنطقي والعقلاني في تقييم المعلومات المقدمة لها فيكون بذلك التحايل أسهل بكثير وأكثر كفاءة ليتصرف السياسي بشكل غير مباشر على التصرف والتحكم بوعي الناس معلنا بمكر عن وجوده وطريقة حياته وإنسانيته ويظهر في البرامج الترفيهية ويستثمر الأموال في تصوير أفلام عن نفسه ويقوم برشوة الصحفيين في الصحف والتلفاز ووسائل الإعلام الأخرى هادفا ليس فقط للترويج لنفسه وسياسته وإنما أيضًا لنشر الشائعات والثرثرة عن خصومه وعن نفسه. والان لم يعد للمثالية والشخصية القويمة محل في عالم السياسة لذا لابد من إن يبتكر الساسة فضائح اخلاقية وسياسية لتحقيق شهرة كبيرة لأنفسهم ولذا أصبح تنظيم الفضيحة الآن منهجية متطورة تتيح لهم أيضا تأمين عالمهم من عواقبها وفي نفس الوقت استخدام الموقف لزيادة مستوى تصنيفهم السياسي.
مع مثل تلك التلاعبات يكون السياسي مثل المتخيل الذي يستخدم الحيل المختلفة والتمريرات الخادعة والتغيير واستبدال أللأعيب وما دام الناس ما زالوا يحتفظون بالقدرة على الاعتقاد فإنهم يستسلمون للاستفزازات، مما يدفع السياسيين إلى التكهن بالكثير من المشاكل والمطالب وآمال الشعوب، وإن مثل هذه المضاربة لها هدف شخصي أو جماعي أناني، وان أسهل طريقة في هذه الحالة هي رمي الطين على خصومك وتقديمهم في صور مزيفة، وأحيانًا يكون هذا التحايل مثيرًا للسياسيين لدرجة أنهم يطلبون من خصومهم الحصول على إذن لمواصلة هذا الخداع أو الغفران عندما يتم حل الصراع السياسي أو إكماله، وإن غوغائية الساسة هي أولاً وقبل كل شيء تزويرا للحقائق واحتيالا بشكل متعمد مما يسمح هذا الخداع للديماغوجيين لتشتيت الانتباه بتحقيق النتائج المرجوة دون الكشف عن نواياهم الحقيقية. وعادة ما يتم فهم التلاعب في السياسة على أنه عمليات احتيال وكذلك توفير أنظمة للتأثير النفسي موجهة إلى إدخال مفاهيم وهمية، والتلاعب بحد ذاته ينطوي بالفعل على خدعة لأن الهدف الرئيس في ذلك هو الوهم المصطنع للتأثير على الرأي العام، فيتم ذلك من أجل تغيير وجهات نظرها وسلوكها السياسي في الاتجاه الصحيح. ونتيجة لذلك فإن بعض الجماعات الاجتماعية لديها وعي ذاتي أناني وفي بعض الحالات إعجاب بالنفس السياسي الأمر الذي يؤدي إلى تخيلات حول تفردها مما يؤدي في النهاية إلى عدم الحساسية والأنانية وقصر النظر فيما يتعلق بالطبقات الاجتماعية الأخرى، وهنا يجدر بنا التساؤل بحثا عن حلول في كيفية مقاومة التلاعب؟ وما الذي يجب علينا القيام به حتى لا يتلاعبوا بنا؟ ولهذا نرى إننا إن رفعنا مستوى النشاط السياسي للشعوب أثناء الانتخابات وبعدها ورفعنا الرفاه الاقتصادي وحققنا التنمية الثقافية والانفتاح في الحكم وكسبنا رؤية لتنوع هياكل تنظيم الحياة الاجتماعية وطورنا التواصل الإعلامي، وجراء ذلك سيكون من الصعب تضليل جمهور كبير لكن تحقيق كل ذلك هل هو ممكن ؟؟!!
اللعبة عادة ما تنطوي على التقليد غير إن اللعبة السياسية هي لعبة بلا قواعد، فيحاول الكثيرين إنشاء هذه القواعد لكن التاريخ يظهر أن الجميع لا يتبع اية قواعد في تلك اللعبة وربما ذلك هو السبب في أن السياسات غالبا ما تكون غير متوقعة ومع ذلك فهي لعبة والقدرة على الخلط في هذه اللعبة كما في جميع الألعاب تحتل مكانًا خاصًا، وإن السياسي المخادع جيدًا هو الذي يمتلك ثقافة الخداع وخدعته يجب أن لا تكون واضحة ومقنعة ومستخدما لمناورات الغش ويجيد القدرة على إخفاء النوايا الحقيقية كما يجيد القدرة على تضليل الاصدقاء قبل الأعداء، ومن الواضح أن كل هذه العناصر قد تكون أكثر فاعلية إذا كان لدى السياسي بعض المعلومات المخفية ونظرًا لأن الشخص المتحايل هو الذي يملك سر التركيز يتصرف بثقة ولذا فإن السياسي الذي يمتلك أسرار سيخدع الآخرين بالمعلومات المخفية بدقة وبدون كشف العواقب.
وهنا نؤكد إن الناس هم من يخترعوا لأنفسهم أساطيرهم مما يخلق أوهام ومواقف مختلفة والسؤال الأهم هنا من الذي يأتي بتلك الأساطير؟ الناس أم تأتي من الساسة؟ إن الوهم الذاتي والأوهام وخلق الأساطير مدمجة في الناس كرد فعل دفاعي لصعوبات العالم الخارجي، كما إن السياسيين أنفسهم يحولون برامجهم وخطبهم في وسائل الإعلام لمخادعة الناس والذين أنفسهم سيكونون سعداء بالخداع ويساعدهم الساسة في ذلك عن ترويج وتدفق الخداع بالشكل الصحيح والوقت الصحيح. ومن أجل إدراك التلاعب نحتاج إلى معرفة ماذا ومع من يتم التلاعب إن لم نتمكن من رؤية هيكل وعناصر مواد المناولة وفهم تنظيم الخداع والأوهام الاصطناعية والتي هي المهنة الرسمية للمخادع الذي إن لم يعرف كيف يخدع فهو بمثابة طائر لا يستطيع الطيران، ومن المعروف أن الدماغ البشري من الناحية الجراحية هو العضو الأقل حساسية لذلك يتم إجراء جراحة المخ في بعض الأحيان دون تخدير وهذه الخاصية ترجع إلى حقيقة أن النهايات العصبية التي هي حاملة للحساسية والألم غائبة عن الدماغ والنهايات العصبية تنشأ فقط في الدماغ كونه الجسم الحاكم لكنه غير حساس للتأثيرات الخارجية، ولذلك يمكن مد تشبيه بنية الدماغ إلى القادة السياسيين فنعطي قانون الخلايا العصبية في السياسة ولهذا فأنه وكلما اقترب السياسي من السلطة كان أقل حساسية تجاه الناس، وهذا هو السبب في أن العديد من القادة السياسيين يفقدوا الحساسية ويتمتعون بصفات وامتيازات السلطة فيفشلوا في خدمة أوطانهم ولذلك يتحولوا إلى مخادعين للشعوب.