تقرير عام عن هندسة التّعليم الافتراضي في الدول العربيّة بين: استراتيجية التّناول وإشكاليّة التّداول

0 84

تقرير (2) عن فعاليّات المؤتمر الدّولي الافتراضي الموسوم بــ:

هندسة التّعليم الافتراضي في الدول العربيّة بين: استراتيجية التّناول وإشكاليّة التّداول

24-25/12/2023م

نظّمتِ الجامعة الليبية عمر المختار بإشراف المعهد الفرنسيّ للدّراسات والبحوث العربيّة والإسلاميّة (بوردو) وبالاشتراك مع جامعة طبرق ( ليبيا)، وجامعة المدينة العالميّة ( ماليزيا)، والجامعة البغداديّة (العراق)، وجامعة المستنصريّة (العراق) مؤتمرا دوليّا عن بعد  بتقنية التحاضر المرئي (Googel Meet) وُسم بــ: ” هندسة التّعليم الافتراضي في دول العربيّة ودوره في تطوير مستوى التّعليم بين: إستراتيجيّة التّناول وإشكاليّة التّداول“، الّذي انعقد بتاريخ: 11- 12 جمادى الأخيرة 1445ه الموافق لــ: 24- 25 كانون الأوّل 2023م، بالرئاسة الشرفية لمعالي رئيس جامعة عمر المختار أ.د. عبد المطلوب أحمد بوفروة، بالاشتراك مع الرئاسة العلميّة والتنظيميّة للمدير التنفيذي للمعهد الفرنسيّ د. عقيلة عامر أرزقي أستاذ محاضر بجامعة الجزائر 02، وبالتنسيق التنظيميّ مع هيئات علميّة وإطارات أكاديميّة من مختلف المؤسسات الجامعيّة والمراكز البحثيّة في العالم العربيّ سعيا منها لتجسيد أهداف المؤتمر الّتي تنطلق من رؤية واقعيّة لمنظومتي التّعليم والبحث العلميّ استشرافا لمستقبل أفضل في ظل التّطلّعات العلميّة المؤسّسة بمنظور علميّ منهجيّ، وفي ضوء الأطر المرجعيّة والمعرفيّة الّتي تشترك فيها أغلب المؤسسات التعليميّة العربيّة على وجه التّحديد، وفي ظلّ المتغيّرات المتسارعة الّتي تلحّ على ضرورة مسايرتها والانقياد لها سيما التّغيرات الرقميّة منها الّتي أوجدت طرقا عمليّة مستجدّة وطرائق علميّة مستحدثة أوجبت تبنيها والعمل على ضوئها إيمانا منها أنّ متعلّم اليوم لا يحتاج إلى طرائق الأمس.

وتجسيدا لذلك المسعى، فقد حمل المؤتمر على عاتقه مجموعة من الإشكالات حدّت حدوده، ورسمت مسلكه، وبيّنت وجهته الّتي تنطلق من الهدف المسطّر لتنتهي إليه تنفيذا، وخلال ذلك فقد تصوّر المؤتمر تلك الإشكالات في شكل تساؤلات متكاملة قد راعت المتغيرين العلمي والتّعليميّ وامتزجت بمجموعة من الرؤى والتّطلّعات ضمانا لمعالجة تشريحيّة لذلك الواقع واستثمارا له، والنّاظر في أهداف المؤتمر يتبيّن ذلك.

ومن الرؤية ذاتها، استهل رئيس المؤتمر د. عقيلة الكلمة للحديث عن واقع التّعليم والبحث في الدّول العربيّة في ظلّ الوثبة الرقميّة الّتي دفعت به نحو تبنيها على جميع الأصعدة بما في ذلك  الصّعيد التّعليميّ، وقد أوضحت سعادتها أنّ بداية ذلك قد كان إبّان فترة كورونا، وما يزال مستمرّا عند بعض الدّول العربيّة الّتي اقتنعت بضرورة التّطوير استجابة للنّداءات الرقميّة الملحّة الّتي فرضت شرعيتها المطلقة، فما كان على هذا العالم إلاّ الانصياع لما له أهميّة كبيرة في تحسين المستوى التعليميّ سيما وإن سبقته دراسات عمليّة تشدّ عضد تنفيذه بالشكل السليم وتراعي مبدأ الاختلاف الموجود والتّغيّر المستمر.

وقد حدّدت د. عقيلة أهداف المؤتمر وإشكاليته، فضلا عن محاوره الخمسة الّتي انطلق الحديث عنها من تعدّد المصطلحات ذات الصلّة بمصطلح ” التّعليم الافتراضيّ” محور المؤتمر ومركز ثقل محاوره، وهو ما أسّس لرؤية المؤتمر ووجهته العلميّة، باعتبار أنّ البحث العلميّ ينغلق على مفاهيمه، فتأتي المصطلحات فاتحة لها مزيلة الستر عنها، وبالموازاة كان للتعليم الحضوريّ نصيب من الحديث ضمن تلك المحاور بما في ذلك واقع البحث العلميّ وقضاياه، فلا غنى عن الحديث عنه عملا بمبدأ تكامل الرؤية لا تفاضلها.

كما سلّطتِ سعادة الدكتورة الضّوء في كلمتها على الأوراق البحثيّة الّتي تزيد عن خمسين ورقة والّتي أسهمت في تجسيد أهداف المؤتمر، قائلة إنّ تلك الأوراق البحثية قد: اتّخذت من محاوره منطلق فكرتها لمعالجة بحثها باختلاف مناهجها وتعدد اتجاهاتها، فكانت بحوثا عكست وجه نظر أصحابها انطلاقا من تصورات علميّة وتجارب عمليّة، وجدناها تتفّق حينا وتختلف حينا، وبالتوازي من ذلك، وجدنا أوراقا بحثيّة انتهجت نهج الوسطيّة في التّفكير فكانت أقرب إلى الاعتدال في طرحها “.

ولم يفت سعادة الدكتورة تقديم فائق شكرها وخالص امتنانها للهيئات الدّاعمة لهذا المشروع الّذي انصبّ الجهد فيه على تشريح الواقع التعلميّ بنوعيه (الحضوريّ والافتراضيّ) والوقوف على قضايا البحث العلميّ قصد المعالجة وسدّ الثغرات وتحيين الأطر من أجل التّحسن والتّطوير كل حسب إمكانياته وانطلاقا من قدراته.

وقد استأنست كلمتها بكلمة الرئيس الشرفيّ أ.د. عبد المطلوب أحمد بوفروة الّذي ألقاها نيابة عنه الأمين العام للمؤتمر ومدير الجودة وتقييم الأداء بجامعة عمر المختار أ.د. محمّد فرج الخزعليّ، والّتي سلّطتِ الضوء على التّعليم الافتراضيّ وما يطرحه من أسئلة كثيرة تجعل واقعه يحتاج إلى تكثيف الدراسة عنه تخطيطا ومعاينة وتجريبا.

كما لم تفت كلمة الرئيس الشرفيّ رفع آيات الشّكر لكلّ من أسهم في تنظيم هذا المؤتمر من الجامعات الشّقيقة الّتي أدخلت جامعة عمر المختار تجربة لم تكنِ الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، طالما أنّ رعاية المؤتمرات العلميّة تأتي على رأس هرم اهتمامات تلك الجامعات، وفي طليعة انشغالاتها، وهو ما يقتضيه الواجب العمليّ والعلميّ على حدّ سواء، فبداية التّطوير المجتمعي تنطلق من حسن رعاية هذه الفعاليات العلميّة واستثمار نتائجها للاستفادة منها في التنمية المجتمعيّة على الأصعدة كافة.

وقد أعقبت كلمة الرئيس الشرفيّ كلمة ممثلي الجامعات الشرّيكة في تنظيم هذا المؤتمر، والّتي اشتركت جميعها على ضرورة تبني إصلاحات تعليميّة في ظل التّغيرات الجديدة لما له تأثير إيجابي في التعليم والبحث العلميّ، الّذي تسعى إلى تطويره كلّ جامعة عربيّة دفعا لعجلة التنمية في بلادها، ولعلّ بوابة التّطوير على ضوء هذا المتغيّر الرقميّ تبدأ من تغيير طرائق التّعليم بانتهاج سياسات تعليميّة عصريّة تأتي في مقدّمتها التّعليم الرّقميّ الّذي يتطلّب تخطيطا ودراسة دون إلغاء التّعليم الحضوريّ الّذي لا تزال مكانته محفوظة سيما وأنّ تجربة التعليم الرقميّ لا تزال حديثة العهد في كثر من الدّول العربيّة، وهندسته لا تزال في أطوارها الأولى مما يستوجب الاستقراء والمعاينة بعمق الدّراسة والإحاطة بما في ذلك  الانفتاح على التجارب الناجحة والرائدة بالعمل على اتباع سياستها أو العمل على تكييفها مع الواقع التعلميّ.

وعطفا على ما سبق، جاءتِ الأوراق البحثيّة المشاركة في مختلف محاور المؤتمر ساعية إلى تجسيد أهدافه برؤى متباينة متكاملة، انطلقت من وحي تجاربها لتحاكي محاور المؤتمر بتعدد موضوعاته، كاشفة عن ذلك ومبينة عنه وفق المناهج العلميّة الّتي تقتضي الموضوعيّة في الدّراسة والتّحليل، فكانت عاكسة لرؤية أصحابها الّتي تشكّلت من خلال تجاربهم في هذا المضمار العلميّ، وقد عزّز ذلك تنوّع موضوعاتها الخادم لمحاور المؤتمر وموضوعاته.

وقد اختتم المؤتمر فعالياته بمجموعة من النتائج الّتي ذيّلها بجملة من التّوصيات، يمكننا الوقوف عليها من خلال النقاط التالية:

فأمّا النتائج فمنها:

1- ضرورة التخلّي عن فكرة اعتمادية التعليم الافتراضيّ في فترة الأزمات والمواقف التعليميّة الحرجة مسايرة للعالم الرقميّ الّذي أدخل العالم بأسره في تنافس دائم قصد الالتحاق بالرّكب الرقمي المتجدّد.

2- اعتماد التعليم الافتراضيّ  في جميع الأطوار والمراحل التعليميّة؛ وذلك بشكل واسع في الدّول العربيّة لما له أهميّة في ربط المتعلّم بالتكنولوجيا وعالم المعرفة المعلوماتية.

3-  المزاوجة بين التعليم الحضوريّ والتعليم الافتراضيّ لسدّ فجواتهما التعليميّة والبيداغوجيّة، انطلاقا من مبدأ التكامل البيداغوجيّ الّذي يجب الوقوف عليه في تلك العلمية لما له من خلفيات عمليّة وأبعاد علميّة وتعلّميّة.

4- أمام تلك المزاوجة، وجب تأمين التكوين المستمرّ سواء للمعلّم أم للمتعلّم مراعاة لاستمراريّة تحيين المنصات التعليميّة الافتراضية بما يتماشى والتّطورات الرقميّة.

5- ضرورة تطوير التعليم الحضوري باستحداث آليات تسيّره بيداغوجيّا، وتوظيف الأجهزة الإلكترونية كالسبورة الإلكترونية مثلا مراعاة لذهنية المتعلّم المستعمل للتكنولوجيا بشكل واسع في حياته اليوميّة.

6- ضرورة استثمار التعليم الافتراضيّ لتطوير واقع التّعليم والبحث العلميّ في الدّول العربيّة، وذلك من خلال الاستفادة من المؤسسات العربيّة الرّائدة في هذا المضمار التّعليميّ عن طريق:

  • تخصيص منح تكوينية قصيرة المدى للأساتذة في شكل دوات تكوينيّة تعاقبيّة لتمكين نقلها واعتمادها بشكل سليم.
  • دعوة المتخصيص من تلك الجامعات الرائدة للاستفادة العمليّة من تجاربهم.
  • عقد شراكات علميّة مع تلك المؤسسات الجامعيّة الرّائدة لتسهيل حركيّة النقل والتكوين والاستفادة.

7- ضرورة إشراف الدولة على المستجدات الرقميّة التّعليمية في الدول العربيّة الّتي لا يزال اعتمادها على التعليم الافتراضيّ اعتمادا محتشما.

8-  عقد شراكة توأمة بين القطاعين العام والخاص ممّا يسمح بالإشراف المباشر للدولة على المشاريع التّعليميّة الّذي ينجزها القطاع الخاصّ، ومنها مشاريع المدارس والجامعات الافتراضيّة،  فأكثر تلك المدارس والمؤسسات الجامعيّة وهميّة اختراسيّة تضرّ بمصلحة الفرد والدولة على حدّ سواء وتؤثر في التنمية الدولة اجتماعيا واقتصاديّا ومعرفيّا.

وتأسيسا على تلك النتائج، واستشعارا بموقعيّة هذا النوع من التّعليم الّذي يقتضي المسايرة ويستوجب الاعتماد سيما بالنّظر إلى فوائده دون تغييب التعليم الحضوري بالنّظر إلى مزاياه المختلفة، وبقطع النّظر  أيضا إلى ثغرات كلّ منهما من الناحيتين البيداغوجيّة والعلميّة، يمكننا في ظلّ ذلك فتح باب التوصيات آملين اعتمادها والأخذ بها، والّتي نوجزها فيما يلي:

1- الإسهام في معالجة مشاكل التعليم وإشكالات البحث العلميّ في مختلف الدّول العربيّة بتجاوز معوّقات التنفيذ؛ وذلك بالاستنجاد بالخبراء والمتخصصين سواء من داخل البلدان العربيّة أم من خارجها تحقيقا للنفع والفائدة.

2- الإسهام في تحسين جودة التعليم بالاستفادة من مخرجات البحث العلميّ سيما في جوانبه التّطبيقية استجابة لمتطلّبات الاستثمار التكنولوجيّ، وعملا بمتطلبات سوق العمل.

3- رعاية الدولة للمشاريع البحثيّة الّتي تنظّم في شكل مؤتمرات أو ملتقيات أو ندوات علميّة، والعمل على دعمها بالإشراف عليها، والاستفادة من مخرجاتها البحثيّة والعمل بما جاء فيها، حتّى وإن كان ذلك على سبيل التّجربة اختبارا لفاعليّة نتائجها وإمكانيّة تحقيقها.

وقد أسدلت ستار المؤتمر كلمةُ سعادة الدكتور جمال الهاشمي مدير المعهد الفرنسي والمشرف العام للمؤتمر العاكسة لرأيه والناقلة لتوجهه الفكريّ والمعرفيّ في حديث شامل عن واقع هندسة التعليم الافتراضيّ في الدول العربيّة.

وعلى ضوء فعاليات المؤتمر وأشغاله بداء من جلساته العلميّة وصولا إلى نتائجه وتوصياته، اختتم هذا المؤتمر الافتراضيّ بطبعته أشغال فعاليات يوميْه بفكرته الّتي اتّخذت من وسطية الطرح منهجها ونهجها ضمانا للسير المتوازن؛ فقد أكّدت ضرورة اعتماد التّعليم الافتراضيّ بما يضمن نحاج العملية التعليمية التعلميّة، ويرجع بالنفع على مخرجات البحث العلمي، كما أكّدت فكرة المؤتمر أيضا على ضرورة إبقاء الاعتماد على التّعليم الحضوريّ مع ضرورة العمل على تحسينه وترقيته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.