تعريف الإرهاب

0 19

تعريف الإرهاب

ا.د قاسم عوض المحبشي

ليس هناك مفهوما اخر استقطب الاهتمام وأثار أمواجا عاتية من الأفعال وردود الأفعال والقيل والقال بأكثر من مفهوم الإرهاب بما يكتنفه من غموض وتشوش والتباس لامثيل له في مختلف الدوائر الرسمية والأكاديمية والثقافية والإعلامية فهذا شارلز تاونزند، في كتابه (الإرهاب : مقدمة قصيرة جدا) كتب قائلا:  ” يقض الإرهاب مضاجع الناس، ويفعل ذلك عمدًا؛ فهذا هو الهدف منه، ولهذا السبب شغل جانباً كبيراً من اهتمامنا في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. فبينما يتخذ الشعور بعدم الأمان صورًا كثيرة، فلا شيء آخر يتلاعب بشعورنا بالخطر أكثر من الإرهاب…فليس من السهل مطلقًا فهم الإرهاب، لا سيما في أعقاب هجوم إرهابي. عندما يشعر المجتمع بالتهديد.

وربما تكمن مشكلة تعريف الإرهاب في صعوبة التمييز بينه وبين الصور المختلفة للعنف إذ أن الجهود السياسية والأكاديمية الساعية إلى التعامل مع الإرهاب تعُرقَل على نحو متكرر بسبب قضية التعريف؛ وتمييز الإرهاب عن العنف الإجرامي أو العمل العسكري. لا يجد معظم الكتاب غضاضة في وضع قائمة بالتعريفات القانونية وغيرها تصل إلى العشرات ثم يضيفون تعريفاتهم إليها. بينما يستهل أحد استطلاعات الرأي المعروفة موضوع التعريف بفصل كامل عنها، ويدرج استطلاع آخر ما يربو على مائة تعريف للإرهاب، قبل أن يخلص في نهاية الاستطلاع إلى صعوبة البحث عن تعريف ملائم للإرهاب بدون انحياز أيديولوجي. ورغم ذلك لم تكف الجهود في البحث عن التعريف الأنسب للإرهاب المفهوم والسلوك فما هو الإرهاب وكيف تم تعريفه. تجدر الاشارة إلى ان مصطلح الإرهاب بالمعنى المعاصر هو ترجمة حرفية للكلمة الفرنسية (terrorisme) ، التي استحدثت أثناء الثورة الفرنسية. “ﺑﻞ وﻗﺪ ﻛﺎن أول ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻟﻜﻠﻤﺔ اﻹرﻫﺎب ﰲ اﻟﻘﺎﻣﻮس الفرنسي بمعنى (ﻧﻈﺎم أو ﺣﻜﻢ اﻟﱰوﻳﻊ) هو الذي صاغته الأكاديمية “.

والإرهاب هو نمط من أنماط العنف الاجتماعي والفردي المادي والرمزي.  والإرهاب في اللغة: “من الفعل رهب، يرهب، رهبه وهو الخوف، والفزع” بمعنى الترهيب والترويع والتخويف وغير ذلك.

وهناك عدد واسع من المقاربات المفهومية لمصطلح الإرهاب في الدراسات والادبيات المعاصرة، كل منها ينطلق من زاوية رؤيته التخصصية للإرهاب، فهناك التعريف القانوني والتعريف السياسي والتعريف السوسيولوجي والتعريف السكولوجي والتعريف البيولوجي والتعريف الفقهي والتعريف الأخلاقي يمكن الإشارة إلى بعضها على النحو الآتي:

” الإرهاب… هو نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي، وهو استخدام قد تمارسه الجماعات السياسية أو الحكومات من أجل التأثير على القرار السياسي لغيرها. “.

وتعرفه محكمة الجنايات الدولية بانه ” الإرهاب بانه استخدام القوة أو التهديد بها من أجل إحداث تغيير سياسي، أو هو القتل المتعمَّد والمنظم للمدنيين أو تهديدهم به لخلق جو من الرعب والإهانة للأشخاص الابرياء من أجل كسب سياسي، أو هو الاستخدام غير القانوني للعنف ضد الأشخاص والممتلكات لإجبار المدنيين أو حكومتهم للإذعان لأهداف سياسية، أو هو، باختصار، استخدام غير شرعي ولا مبرَّر للقوة ضد المدنيين الأبرياء من أجل تحقيق أهداف سياسية. “

و هناك من يعرفه على أنه ” كل استخدام أو تهديد باستخدام عنف غير مشروع يتسبب في حالة من الخوف أو الرعب بقصد تحقيق تأثير أو السيطرة على فرد أو مجموعة من الأفراد أو حتى المجتمع بأسره وصولا إلى هدف معين يسعى الفاعل إلى تحقيقه “[1].في حين  يرى البعض أنه ” أحد مظاهر العنف الاجتماعي وظاهرة مركبة و متعددة الأبعاد يختلط فيها العنصر النسبي بالعناصر الاجتماعية و المادية و الثقافية و السياسية و التاريخية ،  فهو التهديد باستخدام منهج منظم لكل ما من شأنه الإضرار البدني و الفكري و النفسي  و الفسيولوجي و الاجتماعي لبعض الأفراد أو لجسم المجتمع  “[2].

وفي تعريف اخر ” الإرهاب نوعا معينا من الجرائم التي تقع بطريقة العنف أو التهديد، ويستهدف مرتكبوها إرغام السلطات أو الهيئات ذات الشأن على أداء عمل أو الامتناع عن عمل سواء كان ذلك العمل يحقق مصلحة سياسية أو قومية أو محلية أو خاصة، ويتمثل العنف في الفتك بالأبرياء أو تدمير ممتلكاتهم أو التهديد بذلك أو تدمير المؤسسات والمرافق العامة. ووسائل النقل العام، أو التهديد بذلك بهدف إحداث ذعر للجماهير وصولا إلى زلزلة النظام الحاكم”[3].

ربما كانت المشكلة التي تواجهنا اليوم مع الإرهاب المفهوم والسياق هي تلك المتصلة بأنماط الإرهاب الجديد التي شاعت مع ازدهار الإعلام الجديد، فيما يسمى بالإرهاب الرقمي، او الشبكي ، او الافتراضي او الالكتروني ..الخ. إذ جاء في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) ان “الإرهاب الالكتروني هو استخدام التقنيات الرقمية لإخافة وإخضاع الآخرين. أو هو القيام بمهاجمة نظم المعلومات على خلفية دوافع سياسية أو عرقية أو دينية”[4].

وهكذا يتميز الإرهاب الإلكتروني عن غيره من أنواع الإرهاب التقليدي بالطريقة العصرية المتمثلة في استخدام الموارد المعلوماتية والوسائل الإلكترونية التي جلبتها حضارة التقنية في عصر المعلومات، لذا فإن الأنظمة الإلكترونية والبنية التحتية المعلوماتية هي هدف الإرهابيين[5]. مع الإعلام الجديد لم يعد الإرهابي هو ذلك الشخص الذي يحمل بندقية وقنبلة في الشارع، بل صار شخصاً يحمل جهاز حاسوب وهاتف جوال في مكان غير معلوم وغير مشاهد لاحد. إذ أتاح الإعلام الجديد لكل الافراد مزايا من حرية الحركة والتواصل والاتصال بعيدا عن المراقبة والسيطرة ، كما  عليه هي الحال مع وسائل الإعلام التقليدي. وهكذا يمكن القول انه مع الإعلام الجديد ظهر الإرهاب الجديد ، إرهاب اخطبوطي عنكبوتي متعدد الشبكات والابعاد والأدوات والفاعلين والافعال ، ومعنى الإرهاب الجديد هنا لا يقتصر على الإرهاب الالكتروني وجرائم الانترنت كما قد يفهم بل يعني أيضا استخدام الإرهاب التقليدي لممكنات ووسائط الإعلام الجديد لترويج وتخطيط وتنفيذ مشاريعه الإرهابية التقليدية بطرق ووسائل وأساليب وأدوات جديدة وغير مألوفة في كل مكان من مواطن الإنسان كما سوف نرى أنفاً.

إذ ظهر الارتباط بين الإنترنت والإرهاب بشكل واضح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وانتقلت المواجهة ضد الإرهاب والإرهابيين من المواجهة المادية المباشرة إلى المواجهة الإلكترونية، وتحولت الحروب الواقعية إلى حروب رقمية، وأصبح الإنترنت من أشد الأسلحة فتكا وهدما إذا ما استُخدم لأغراض سيئة وتحقيق نوايا إرهابية. اذ يعد الإرهاب الإلكترونى من أخطر أنواع الإرهاب في العصر الحاضر ، نظرًا لاتساع نطاق استخدام التكنولوجيا الحديثة في العالم ، وهو الأمر الذي دعا 30 دولة إلى التوقيع على “الاتفاقية الدولية الأولى لمكافحة الإجرام عبر الإنترنت”، في بودابست، عام 2001 م ، والذي يُعد وبحق من أخطر أنواع الجرائم التي ترتكب عبر شبكة الإنترنت ، ويتضح هذا جليًّا من خلال النظر إلى فداحة الخسائر التي يمكن أن تسببها عملية ناجحة واحدة تندرج تحت مفهومه.[6]

[1]عبد الناصر حرين النظام السياسي الإرهابي الإسرائيلي دراسة مقارنة ، القاهرة ، مكتبة مدبولي ، طبعة 01 ،  1997 ، ص 26.

[2] يحي عبد الحميد إبراهيم عبد العال، التنمية بين عقيدة الإنتماء وعقدة التطرف ، المحروسة للنشر، القاهرة ، 1998 ، ص 61- 62.

[3]محمد فتحي عيد ، الأمان في مصر ، القاهرة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سلسلة مصر الحضارة ط 2 ، 1986 ، ص 30.

[4] ينظر، ويكبيديا، الموسوعة الحرة ، جوجل، مفهوم الإرهاب الرقمي.

[5] ينظر، سماح عبدالصبور، الإرهاب الرقمي. ص3.

[6] الإرهاب الالكتروني مفهومه ووسائل مكافحته، موقع شبكة ضياء للمؤتمرات ،16نوفمبر 2015

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.