القيم المجتمعية بين مدركات الوعي ومعامل التأثير
القيم المجتمعية بين مدركات الوعي ومعامل التأثير
د. جمال الهاشمي
يرى الاستراتيجيون والسياسيون أن الحروب الخارجية تزيد من فرصة التماسك المحلي والتلاحم الوطني وأن حياة الدولة دون أعداء يفكك السلم الاجتماعي داخل الدولة، ولذلك أصلت الثقافة الديمقراطية للمشاركة الشعبية في أي حدث جغرافي عالمي يمس القيم الغربية والمصالح القومية.
ومن جهة أخرى برزت القوى الإعلامية كآلية مؤسسية للتحقيق من صحة الخبر ومجريات الأمور خارجيا، حيث تعتبر الصحف في تلك الدول أول مناهج الوعي، وأن الصحفي يجب أن يبحث عن الأدلة اليقينية لعرضها على الشعب وتقديم ذلك الدليل للقضاء ودعمه بالإرادة الشعبية.
حيث تستمد الصحافة قوتها من صدقها ومدى تصديقها محليا، وتتعرض الصحيفة للانهيار عندما تحاول استغلال العاطفة الشعبية حول قيمة معينة تكون كاذبة، وفي المقابل فإن الصحافة العربية تفتقر لقيم الصدق والتوثيق لكونها تتلقف الأخبار كما تلقف المنافقون حادثة الإفك ونشرها، ولهذا ستجد الأخبار الحزبية أثناء المعارك التي هم فيها طرفا وكذلك إعلام الدولة المحاربة أنهم حققوا انتصارات حتمية وجغرافية، ثم في اليوم الثاني يجدون أنفسهم في تناقضات واهية تفقدهم الشرعية، ويسهم في استمرار أكاذيبهم غياب الوعي المدرك لدى الشعوب بمخاطر استغلال العواطف الإعلامية لمصالح سياسية أو حزبية، ولذلك توصل الأكاديميون والدبلوماسيون إلى أن الصحافة العربية يعزوها الثقة وعلاقة الاحترام المتبادل مع الوعي الجماهيري، وهي لدى الغرب ليست أكثر من صحف ادعائية تفتقر لأدنى معايير المهنة الأخلاقية أو التقدير لشعوبها وجماهيرها وهي بلا شك أكثر امتهان لقراءها.
ومن جهة أخرى تفتقر الشعوب العربية لمدركات الوعي السياسي القادرة على حفظ توازنها من قواقع التحيز والتأثيرات الوجدانية والتذبذبات العاطفية ويرجع ذلك إلى افتقار المؤسسات التعليمية للمناهج الإنسانية الواعية، وسيطرة ثقافة التقليد الحضاري داخل النخب السياسية والأكاديمية، أو ذلك الاستلاب الذي يمنع النخب من الاستقلالية الذاتية.
أما النخب الأكاديمية فتقيس مدى معرفتها بما يتحقق لها من مكاسب مادية أو إعلامية تحقق من خلالهما المكانة والقيمة وإن كانت وهمية لا سيما أننا في عصر يطغى عليه ثقافة فيشنو أو الثقافات الهندية ثقافة استبداد الضعيف على الأضعف ونظرية السوبر مان الذي يتحول مع انتشار ثقافته ولونه الأول ألوان بشرية عالمية متعددة تؤسس لاستراتيجية الجهل المبرزة من خلال ما يسمى بثقافة الشائعات أو التفاهات.
وهذا الوباء القمعي في الذهنية السياسية وذهنية النخبة وهو هو ذاته الوباء المتفشي داخل الكيانات الفنية والثقافية والشعبية فلسنا أكثر من لصوص تنقل عن الآخر وتستهلك منه كل شيء ثقافيا وحضاريا وماديا من الكلمة وحتى الكتاب ومن الإبرة وحتى الطائرة.
ويمكن أن تقيم النخب الأكاديمية والمثقفة عبر استقراء ظاهرة الترجمة والكتابات والبحوث المنشورة التي ليست أكثر من اقتباسات متواترة بعضها من صناعة بعض، وستوهم القارئ القادم أنها مما اجتمعت عليه نظرية الإجماع في عصرنا وسيكون المسكين ضحيتها غداً، ويمكن ملاحظة مسخ التقليد العشوائي في ثقافة المسخ المتعدد ليس على مستوى الأستاذ أو الأكاديمي المثقل بسيرة ذاتية وكأنه ليس أكثر من الحاملين أثقالا.بل وينتشر الوباء على مستوى التمثيليات والكاميرا الخفية وحتى مقاطع اليوتيوب، ومظاهر النسخ المتكرر لرسائل الماجستير والدكتوراه، التي تستنزف ثروات أمة بطريقة شرعية.
ومن الوباء الذي يزيد العقل تصحرا شعور الباحث بالرضا عن كتاباته وشعور الأستاذ بالرضا عن عمله، والمؤسسات الجامعية والتعليمية عن مخرجاتها، وانتشار ظاهرة التدريب دون مقاييس علمية واعية ولا شك أن بروز مثل ذلك لا يعكس حقيقة مدى وعي المؤسسات التعليمية واعترافها بخيانتها للتعليم والرسالة العلمية أو شعورها بالندم لما انتجته من مخرجات تعليمية هشة وهزيلة تخدع بها شعوبها وشعوبا وثقت بها وأرسلت إليها ابنائها ليتعلموا لا ليحصلوا على الشهادات فحسب، كل ذلك لا يعني مسارات تصحيحية للواقع وإنما يزيدنا يقينا على مدى كهنوتية التعليم وتخبط المؤسسات التعليمية في سلسلة ألقاب لا تخضع للمساءلة والمحاسبة ولا تجعل من الطالب معيارا لمدى أهلية المعلم باعتباره الزبون في قاموس التجارة الذي ينفق وقته من أجل الحصول على علم يقوده لا جهل يقاد به.
وإلى جانب وباء التقليد والاستهلاك وباء الادعاء والشعور بالإبداع والإنجاز وصعوبة الحوار مع طبقة النخبة الأكاديمية التي تردد ألا أقوالها منقولة أعلى سندها ثلاث طبقات على الطريقة المشخية في السياق وليس في المعايير حدثني استاذي عن استاذي عن استاذي وينتهي الاسناد بالثالث منه المؤسس الأول لفلسفة الانقياد والجهل.
وبالمثل شعور السياسي والطائفي بالرضا الإلهي عن قراراته التي تقاس بفلسفة الإعلام والإرهاب أو القوة الصلبة، وكذلك المنقذ الحكومي الذي يتقدم بسلسلة من القنوات الإعلامية يتحدث فيها عن مشروع انقاذ للتنمية والتعليم أو يتحدث عن برامج تخيلية ثم يفشل وتنتظر الشعوب حكومة أخرى برمز آخر لتكمل طريقها الى الهاوية تحت شعارات تصحيح المسار أو السياسات الإصلاحية وربما انقاذ الاقتصاد الذي يتحول إلى استراتيجية الافقار والحروب الأهلية والصراع على الثروة، ونؤكد أن مرض الأنا، أو علة الشعور بالفائدة والرمزية يستدعي فتح المشفيات والمصحات النفسية ووضع جزئيات الظاهرة (الأفراد) للدراسة والمعالجة ومن ثم وضع المؤسسات للمعالجة نفسها.
في العالم الغربي لا تتجاوز السيرة الذاتية صفحتين ويتساوى الجميع في اللقب “السيد والسيدة” الجاهل والعالم ولديهم دولا متقدمة وكل ما في الأمر أن منجزاتهم تتحدث، بينما نأتي لنا بعربي منح الألقاب وسيرة ذاتية تقارب مجلد ليست أكثر من تفاهة اشارككم يومياتي على اليوتيوب فتابعوني، وجيوشنا العربية أكثر الجيوش العالمية التي ترتقي فيها الرتب على غرار الترتب الأكادمية وملأت مسامعنا ضجيجا بأناشيدها الوطنية على غرار المؤتمرات الأكاديمية، أو التصريحات السياسية بينما تتوالى الهزائم النفسية والعسكرية وا تتقلص الجغرافيا الوطنية وتفصل بعضها عن بعض وتتوسع القواعد العسكرية الأجنبية للدفاع عنها. ولا شك أن حبرنا غالي لذلك لا داعي للكتابة، وأن دمائنا العسكرية غالية لذلك لا بد من التضحية بالشعوب ودمائها الرخيصة.
في العالم الغربي ومنذ نشأت الدول الحديثة تتحرك الشعوب المحلية بقيادات حزبية أو منظمات محلية ذات أبعاد عالمية كلهم يمثلون حراسا للقيم الغربية ليس على المستوى المحلي، بل وعلى مستوى المتغيرات الدولية، وهناك طبقة غير معلنة تحدد مسارات هذه التكوينات ضمن ضوابط وحدود القيم الجمعية.
وبما أن القضاء هو المؤسسة الوحيدة خارج إطار التأثيرات السياسية والحزبية والإطار الحامي للقيم العامة فإنه اكتسب صفته باستقلاله عن السلطة السياسية وارتباطه فقط بالدستور الذي يحوي ثقافة وتراث وقيم وحضارة الأمة، ومن خلفه الإرادة الشعبية؛ التي حلت مكان الكنيسة الدينية التي سقطت شرعيتها بتبعيتها للسلطة أو الصراع معها على السلطة.
كانت الكنيسة تسيطر على الإرادة العامة باعتبارها الإرادة الإلهية المقيدة بين جدران الكنيسة ولكنها سقطت عندما تحولت إلى قيمة سياسة أنتجت الفوضى المحلية والحروب الدولية، وسقطت عندما أصبحت السلطة السياسية هي من تختار رجال الكنيسة، وهو ما أدى إلى ثورة البروتستانتية ومن قبلها اليسوعية ليس للتحرر من الدين بل للتحرر من سلطة النظام السياسي على الكنيسة.
ومع هذه الموجة الثورية للتحرر من جدران المعبد الكنسي وثقافته الحلولية والإلهية برزت ثقافة التدين الشعبي العام (الرجل الإنجيلي) الذي يتلوا الإنجيل تلاوة فردية تلك التلاوة المقدسة التي تقربه من الإله ويشعر بحرية الخطاب دون قنوات كنسية بشرية ملوثة قطعت العلاقة بين الفرد ولإله والشعب الإنجيلي والمقدس الأعظم.
ومن ثم تحولت الإرادة السياسية إلى أداة بيد الإرادة الدينية على الطريقة البروتستانتية وتحولت بريطانيا من الكاثوليكية إلى ثقافة الكنيسة الإنجيلية ومن ثم بدت بعض دول أوروبا نحو التحول الديني إلى البروتستانتية والكالفينية بما فيها الولايات المتحدة التي برزت فيها ثقافة التوراة والإنجيل والقبيلة البروتستانتية الثاني عشرة من بني إسرائيل.
وترتب عليها كثير من التحولات السياسية، باستثناء كثير من دول أوروبا والتي كانت مجتمعات نصرانية متدينة لكنها تراجعت عن قيم الدين إلى قيم المدنية اليونانية والثقافة العلمانية، ثم تراجعت حضاريا وغزتها القيم الأمريكية والأسيوية و بدت الحاجة بعد فشل العلمانية من تحقيق الإشباع الروحي إلى البحث عن الإله المحتجب من خلال الأحزاب اليمينية المتطرفة.
ما تزال الشعوب العلمانية ترى أن منزلة القضاء يساوي منزلة الكنيسة في القرون الوسطى من حيث التأثير، وأن القضاء هو المؤسسة الإنسانية الرئيسية داخل الدولة التي تحتضن قيم الإنجيل والقيم القانونية الحضارية التي تضرب بجذورها في أعماق الحضارة اليونانية والرومانية المسيحية، والتي تشكل حائطا منيعا وحارسا أمينا لمبادئ الحرية والعدل والمساواة والإخاء والديمقراطية والإرادة العامة وحرية التدين.
عندما يتساءل المستفهم عن أسباب تبني الجماعات والأفراد والتنظيمات داخل الدول العربية سياسة العنف والإرهاب والتي صارت من أهم قضايا السياسة العالمية المعاصرة وموضوعها العالم الإسلامي تحديدا. ولا يشكل هذا التساؤل البتة قضية إشكالي عند الباحثين وإنما هو من أهم موضوعات وأدوات الإرادات السياسية.
ذلك أن غياب المؤسسية الفاعلة يشكل أزمة إرادية قصدية في بلدان العالم الإسلامي تختلقها النظم السياسية؛ ذلك أن غياب المؤسسات الراعية والحامية للإرادة الشعبية والقيم المجتمعية ومبادئها العامة تشكل السبب الأساسي لوجود هذه الظواهر الفوضوية في العام العربي. ومن أهم أسباب ظهور الصراعات الطائفية وتفجير المساجد وتدمير المجالات الحيوية لاقتصاد الدولة والفقر والتهميش والجهوية والطبقية.
لا شك أن الفرد عندما يرى اضطراب القيم والمبادئ والفتاوى الدينية من جهة، أو يجد أنه الشخصية المغتربة بين ثقافته كمواطن وله حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية يكفلها القانون والدستور، أو رجل متدين في أمة تحافظ على حقوقه بموجب الشرائع والقواعد الدينية.
سنجد الإنسان عندما يضعف تدينه وتمنح حقوقه الإنسانية بناء على تدينه أو تعارض السلوكيات الدينية والطائفية تقوده إرادته الذاتية للبحث عن حقوقه المشروعة في القيم الديمقراطية أو الاشتراكية أو الإلحادية.
يسعى الإنسان بفطرته للبحث عن حقيقة وجوده الخفي بالبحث عن الإله الرحيم العادل الحق وقد استطاع الأنبياء بتعاليم جميلة سمحة كان الأمن والحرية والعدل والمساواة من أهم مقاييس بناء الدولة الرحيمة العادلة ذات التأثيرات الثقافية المتخطية للحدود الشعوبية والعالمية، وكان ذلك من أهم أسباب تنمية التدين في النفوس على مستوى السوق والسلوك والعادة والحقيقة، وكانت هذه الثقافة تدينية تشكل تهديدا للنظم السياسية في العالم الأوربي والأسيوي والأفريقي، أدت قوتها المتنامية إلى تدين السلطة.
من هذه النماذج التاريخية تدين شعوب شرق آسيا والهند الصينية ومن قبلها تدين القيصر قسطنطين الروماني وتبنيه قيم المسيحية لمواجهة ديانة الأقليات اليهودية، بينما كان من أهم أسباب سقوط الدولة اليونانية الصراع بين مبادئها الفلسفية الثقافة المسيحية.
لكن عندما تتعارض القيم مع الحقوق الفردية يتحول إلى إنسان فوضوي يبحث عن إنسانيته المدنية، وحقوقه الإنسانية أو في البحث عن الإله المحتجب في طائفة أو جماعة ذلك فقط عندما تغيب السلطة السياسية حقيقة التعاليم الإلهية كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا والأرثوذكسية في روسيا، وهذه التجربة هي التي شكلت قيم المدنية الأوربية بعد سلسلة من صراعات التدين والطائفية والصراعات السياسية.
بينما تسعى النظم الحاكمة في الدول الإسلامية المعاصرة إلى سجن التعاليم الإلهية والقيم المجتمعية العامة والإرادة الشعبية في قوالب الثقافات السياسية ومعايير السياسات العالمية الدولية، وثقافات الشعوب الأوربية والأسيوية.
نقول حصرها وقد سبق وقلنا تفشي وباء التقليد المجتمعي لكن هذا التقليد في العالم الإسلامي يشير فقط إلى حضوره في المدن الحضرية وليس في المجتمعات الريفية والقبلية التي ترى من الانفتاح مرضا مجتمعيا وخيانة سياسية، فالظواهر البارزة داخل المجتمعات الحضرية تلقى رفضا من الغالبية العظمى من الشعوب الإسلامية بما فيهم الأفراد الذين يتبنون القيم الغربية الاشتراكية.
تتراجع الدول عن موقعها ومكانتها الدولية والإقليمية عندما تمارس القوة بإدخال قيم جديدة بالقوة والسجن والإرهاب، أو تتبنى سياسات خارجية تتعارض مع الإرادة الشعبية والقيم المجتمعية، هذه الممارسات الظاهرة تفقد النظام شرعيته الجماهيرية، وشرعيته الدينية، فينشأ داخل الدولة بما في ذلك المؤسسات الإدارية والعسكرية تكوينات محلية تتبنى شرعية الدفاع عن القيم المجمعية، وتكوينات أخرى تتبنى شرعية الدفاع عن القيم الدينية.
تلجأ السلطة التي تمارس منهج المباريات على المستوى المحلي إلى استخدم سياسات التهميش والإقصاء للقوى داخل السلطة السياسية واستبدالهم بشخصيات قريبة من توجهها، وتبحث عن شرعية وجودها بالاستناد على قوى دولية وبالاعتماد على خبرات واستخبارات القوى الأجنبية الرعية لوجودها في السلطة، في مواجهتها للقيم المجتمعية والقوى المحلية المعارضة، بل وممارسة التجسس على المؤسسات العسكرية التابعة لها في جزر مغلقة ومنعزلة عن مجتمعاتها.
وهذا يقودنا إلى الاعتقاد أن المجتمعات العربية ما تزال قوى مستضعفة مسيرة ومضطربة بدليل ما أنتجته ثورات الربيع، وأنها تنقاد من خلال نخب وحزبيات منفصلة عن المصلحة العامة والمبادئ المجتمعية، ويرجع ذلك إلى سيطرة الصحافة على المجتمعات في ظل هشاشة النخب الأكاديمية تخلط بين المفاهيم السياسية والمبادئ العامة، وبين الإجراءات القانونية والمحددات المجتمعية.
وفي المقابل نجد أن المجتمعات الأوربية التي نشأت فيها قيم الإنسانية هي مجتمعات الوعي القيمي والوعي المدني معا، وهي التي أسست للمنظمات المحلية والمؤسسات الدولية من خلال نخبها الفكرية والمجتمعية الذين أوصلتهم إلى السلطة بإرادة شعبية.
وسمحت لها أن يكون محور حقوق الإنسان قضية مجتمعية تتكفل السلطة في الدفاع عنها كقيمة ثقافية إنسانية عالمية بعيدا عن التحيزات الدينية والجنسية يضيف الشرعية والقوة للسلطة في ممارسة نفوذها السياسي الدولي بإرادة شعبية؛ هذه التجربة الواعية نشأة كردة فعل رافضة لاستغلال الإنسان في الصراعات الدينية والقومية والحروب العنصرية، ومن خلالها تبنت عبر مفكريها ما يسمى بالعالمية والعولمة والقرية الكونية والديمقراطية.
وفي المقابل ظلت المعايير الأوربية المجتمعية هي المرجعية العالمية على مدى قرنين من الزمان وتتأرجح بين الأنسنة والسياسة، لذلك عندما استثمرت دول الصين واليابان والنمور الأسيوية هذه القيم الغربية تراجعت الصناعات الغربية وتغلبت على أسواقها السلع الأسيوية حاملة ثقافتها الأسيوية معها والتي حققت خلال عقدين من اندماج نسبي مع المجتمعات الغربية، وهو ما أدى إلى إعادة حماية المنتجات المحلية سياسيا من خلال نموذج المقاييس الأوربية.
ومع قداسة الديمقراطية لدى الغرب إلا أن استخدامها في دول العالم الإسلامي ستجد إجهاضا متواليا لكونها تتعارض مع المصالح القومية الأوروبية والأمريكية خصوصا، في المصلحة في فن السياسات الدولية الغربية تتقدم على القيم المجتمعية.
وفي الوقت ذاته تشكل القيم المجتمعية أداة رقابية فاعلة ملزمة من خلال الرأي العام في حدود الخفية والمعقولية يجب مراعاتها لكونها قادرة على محاكمة أي عضو في السلطة السياسية.
إذاً وفي مقابل إرادة قيم المجتمعات الغربية تتساقط قيم المجتمعات الأخرى عبر ممارسة سياسية تتعارض مع قيم العدالة الإنسانية التي تبنتها المدارس الفيثاغورية والمثاليات الحديثة والمعاصرة.