التعليم : اكتساب معلومات أم تعليم تفكير؟

0 20

التعليم : اكتساب معلومات أم تعليم تفكير؟

 

د. فاطمية بن خليفة

استاذ علم النفس – جامعة غليزان سيدي الخضر

التعليم .. مقود التغيير في مكون الثروة البشرية لأي بلد، وبوصلة توجيه مستقبلها،  ونعلم جليا أنه لا توجد آثار مباشرة آنية يمكن الوقوف عليها مباشرة من خلال هاته العملية التي تكرس جهود الأفراد الذاتية وجهود الهيئات الرسمية في بناء أفراد المجتمع وفقا لأهداف معينة تقتضيها فلسفة كل مجتمع،  فالآثار المنتظرة تظهر على مستوى أداء هؤلاء الأفراد  وسلوكاتهم على المدى المتوسط والبعيد.

التعليم ليس عملية يمكنها أن تتشكل دفعة واحدة، بل هو يحدث على مراحل متتالية وفقا لمقتضيات عديدة أهمها طبيعة وخصائص المراحل النمائية للمتعلمين، وهذا يحيلنا الى متغير هام جدا وهو ” الفروق الفردية”، هذا المفهوم يفسر بشكل كبير الفروق الملاحظة في مستويات تعلم الافراد رغم وحدة المناهج وطرق وأساليب التدريس وأساليب التقويم وغيرها.

من ناحية أخرى لا يمكن الحديث عن ” تعلم فعال” دون ” انغماس”، بمعنى أن ما يكتسبه الفرد في سيرورة تعلمه لا يكون ذا جودة ولا أثر إذا كان ينبني على مجرد التلقي الجاف وغير المرغوب أحيانا للمعلومات.  “ألانغماس” يعني استثمار القدرات المعرفية والاجتماعية مدعومين بالدافعية، وهنا يجب الاشارة الى أهمية المحيط الاجتماعي  بشكل عام  ( الاسرة- الرفاق … ) والمناخ المدرسي تحديدا في إثراء هذا الانغماس ورفع دافعية المتعلمين لمزيد من التعلم.

الحديث عن التعليم يقودنا بالضرورة للتفصيل في موضوع التفكير ومهاراته. نحن حين نتعامل مع أطفال أو مراهقين في سياق تعليمهم، لا يمكن الحديث عن جودة التعليم إذا ما اكتفينا بحشو عقولهم  بمعلومات لا تلبث أن تتلاشى مع انتهاء فترة امتحانات هؤلاء الطلاب. التعليم الفعال يعني ببساطة ” تعليم التفكير” مما يعني تزويد المتعلمين بفرص مواتية لممارسة نشاطات التفكير، والفرص المناسبة تتضمن كل ما يمكنه أن يؤثر في تعلمات الطلاب ( المناخ المدرسي والبيئة الصفية، كفاءة المعلمين العلمية والأدائية، مدى توفر مصادر التعلم المتنوعة والمحفزة على التفكير…الخ ) ويمكن أن نتوسع قليلا في العوامل التي تؤثر في تعليم التفكير على مستوى المدرسة كالتالي:

– العوامل المتصلة بالمعلم: المعلم الناجح والقادر على تعليم التفكير هو المعلم المنفتح على تنوع أفكار طلابه وانتهاج اسلوب الاحترام والاستماع وتشجيع روح المنافسة بينهم واستخدام أنواع التعزيز بطريقة علمية وذكية.

– العوامل المتصلة بالمناخ المدرسي: ويمكن الحديث عن ” العلاقات الإنسانية” كأحد أهم هذه العوامل والتي يسودها روح التعاطف والتفاهم  بين المتعلمين أنفسهم وبين المتعلمين والمعلمين وباقي أطراف العملية التعليمية، دون أن نغفل الأهمية البالغة للعلاقة بين المدرسة والأسرة،  والمدرسة والمجتمع المحلي،  حيث لا يمكن تفعيل عمليات التفكير بمعزل عن الاسرة أو المجتمع فمن خلال هذه المؤسسات يستطيع المتعلم الانطلاق في حل المشكلات واتخاذ القرارات.

بالإضافة للعلاقات الانسانية هناك عنصر ( الحوار والنقاش) حيث أن الاختلاف والتعارض في الآراء والأفكار بين الطلاب يحيلهم الى تجريب حلول ابداعية للمشكلات التي تواجههم من خلال أسلوب الاقناع والاقتناع، وفي نفس السياق يتعين تشجيع الطلاب على ممارسة أنشطة مكتوبة توضح أفكارهم.

– الانشطة التعليمية: تساهم الانشطة التعليمية في إثراء تفكير الطلاب ودعمه شريطة أن تتلاءم هذه الانشطة مع مستويات الطلاب.

يمكن إختصارا أن نقول أننا لا نحتاج فقط تزويد طلابنا بكميات المعلومات والتي يمكنهم اكتسابها أيضا بمعية وسائل التكنولوجيا الحديثة، وإنما نحتاج تعليمهم كيف يفكرون ويحلون مشكلاتهم على ضوء الوقائع والمستجدات، وتحرير عقولهم وتشجيع العمل التعاوني والموضوعية والايجابية لديهم، حيث يتعدى التأثير الايجابي لتعليم التفكير حجرات الدراسة ليمتد لميدان الاسرة والمجتمع والحياة اليومية والعملية المستقبلية.

ويبقى السؤال الجوهري: هل فعلا تقوم مدارسنا بتعليم التفكير لأجيال ألمستقبل؟!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.