وسائل الإعلام: مؤسسات تربوية تساهم في ترسيخ القيم أو هدمها !؟

0 33

وسائل الإعلام: مؤسسات تربوية تساهم في ترسيخ القيم أو هدمها !؟

د. فتحية عبد الكامل

إن وسائل الإعلام هي مؤسسات تربوية لها دور خطير وهام في آن واحد فقد أصبحت تبسط هيمنتها على فكر الإنسان المعاصر وتوجهاته وأخلاقه ،إذ أن   التطور التكنولوجي قد ساهم أيضا  في تسهيل عملية الاتصال. »ذلك أن الدور المتعاظم الذي تقوم به وسائل الإعلام المعاصرة كأدوات أساسية لنقل الأخبار والمعلومات والترفيه والتوعية والتوجيه،حيث أصبحت  العملية الإعلامية في عصرنا الراهن عنصرا أساسيا من عناصر تشكيل قيم الناس ومفاهيمهم وأنماط سلوكهم وأساليب حياتهم؛لذلك فليس غريبا أن نجد وسائل الإعلام المُختلفة تتسابق فيما بينها نحو هدف أساسي هو التأثير في عقله ووجدانه واتجاهاته وأنماط سلوكه …. « ([1]).

ولقد ناقش الباحثون العديد من المفاهيم الإعلامية والعملية الإعلامية ومن أشهر هذه المفاهيم ما ذهب إليه العالم الألماني (أوتجرت) من أن الإعلام هو (التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهها في نفس الوقت).ويضيف أن الإعلام تعبير موضوعي يبتعد عن الذاتية من جانب الإعلامي بل هو قائم على طرح الحقائق المختلفة وقد يعتمد على الأرقام والإحصائيات..([2])

        ولوسائل الإعلام بمختلف أنواعها ميزات خاصة تستقبلها جميع فئات المجتمع: ومن أبرز هذه الميزات:

  • تغطي جميع شرائح المجتمع: فهي تشمل جميع شرائح المجتمع من أطفال وشيوخ ونساء ورجال وشباب، بمختلف طبقاتهم ووظائفهم إذ يشاهدها الغني والفقير، الأمي والمثقف….([3])
  • أنها تقدم خِبرات ثقافية متنوعة :ما بين ثقافة علمية ودينية وسياسية واقتصادية ….،فلم تترك ثقافة إلا وأـتت بها ووجدت لها مُرحبين في جميع أقطار العالم. فهي تقدم خبرات متنوعة ونماذج سلوكية وطرق معيشة قطاعات عريضة من أفراد المجتمع….وتتعرض وسائل الإعلام للكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما يجعلها ذات تأثير كبير على تكوين الرأي العام وتوجيهه ووسيلة هامة من وسائل التربية المستمرة([4]). 
  • تمتاز بخاصية جذب المتلقي : فوسائل الإعلام تستحوذ على عقل المتلقي سواء كان قارئا أو مستمعا أو مشاهدا ؛لما تتمتع به من وسائل العرض التي تجلب انتباه الناس وتستميلهم إلى أنماط سلوكية …،وتتيح فُرصا واسعة للترفيه والترويح.
  • السرعة والانتشار: فهي لا تقف عند حدود الزمان والمكان بل تبث  برامجها ليل نهار في الصباح والمساء دون كلل أو ملل، تصل المتلقي أينما كان ،في المنزل ،في المكتب في المقاهي في السيارة …([5])     

الأثر السلبي للمؤسسات الإعلامية:

إن وسائل الإعلام سلاح ذو حدين  لها إيجابيات وسلبيات فالاستفادة من الجانب الإيجابي يتوقف على مدى الوعي الذي يتمتع به المتلقي أو المتلقية  في استقباله للصورة والصوت وقدرته على التمييز بين الغث والسمين.

ولها تأثيرها السلبي على قيم الفرد وأخلاقه ،فقد أظهرت إحصائية علمية ضمن رسالة جامعية بعضا من السلبيات المنعكسة على الأسرة بسبب متابعتها للقنوات الفضائية وجاء ضمن ذلك أن نسبة 85 %  من جمهور المشاهدين يحرصون على مشاهدة القنوات التي تعرض المناظر الإباحية ونسبة 53% نقصت لديهن تأدية الفرائض الدينية ونسبة 32% فــــَـتـــــــر تحصليهن الدراسي ونسبة 42%، يتطلعن للزواج البكر ولو عُرفيا،…..([6]).

        لقد أصبح الغزو الذي يأتي من القنوات الفضائية والتي أصبحت مغروسة في كل بيت مسلم  خطرا على أفراد الأسرة وعلى رأسهم المرأة عماد البيت ثم الطفل والشاب ،بحيث تظهر عواقبه على المدى القريب والبعيد فقد أدت هذه القنوات للتفكك الأسري وإضعاف الوحدة بين أفراد الأسرة  إذ نجد أن لكل فرد  تلفازه الخاص به الشيء الذي أدى إلى تشتت القلوب والأفئدة ،والأدهى والأمر فقد أصبحت تبث برامجا تضرب الأخلاق والأمان النفسي  لدى الفرد ؛مما أدى إلى الانحراف السلوكي لدى الأطفال والشباب والفتيات ،والأمر نفسه للكبار من رجال ونساء،وذلك أن المشاهد المعروضة عبر تلك الفضائيات تظهر العلاقة المُحرمة بين الرجل والمرأة بأنه نموذج أمثل يسلكه كل رجل وامرأة وكل شاب وفتاة،ومن العجيب  حقا أن تلك المشاهد تجد الاستنكار ومحاولة التغيير من قبل كثير من العقلاء في بلاد الغرب،    في حين أن بعض القنوات العربية تعزز هذا المنهج في قنواتها الفضائية،وتجد الاستجابة لدى الكثير من متابعيها.

        ومن نتائج هذه المشاهد التي  لا تحترم تعاليم الدين الحنيف –الذي يوصينا بمكارم الأخلاق والأدب الرفيع – انتشار الفواحش على   اختلاف أنواعها مع ما يلحقها من الاختلال الاجتماعي في نواح عدة، »فعرض تلك المناظر له تأثير سلبي على الفتيات والشباب العازبين ،إذ أنها تؤجج الشهوات لديهم ،و تجعل الشاب أو الشابة على استعداد لممارسة الرذيلة متى سنحت له الفرصة دون وازع ديني يردعه. وفي الجانب التربوي والأخلاقي نلاحظ غياب الغيرة والنخوة لدى بعض الرجال عندما تبدي زوجاتهم إعجابها بوسامة فنان أو ممثل وهو لا يبدي أية ردة فعل ولا تتحرك مشاعره) «  [7] )

ولغة الخِطاب المباشر المستعملة في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية يصحبها الإيقاع المشوق،والصورة الجذابة والمشاهد المُجسدة والحركة الُمثيرة والإشارات الموحية من صوت المتكلم ونبراته وهيأته وملامح وجهه فيجعلها أكثر رسوخا  وأبعد صدى وأعمق تأثيرا من لغة الخِطاب المُدون المكتوب في الصحيفة([8]).

        أما في الجانب الأمني فهذه الفضائيات تــُلقّن الرجال والنساء،الشباب والفتيات طرائق ارتكاب الجرائم ،من خلال عرض الأفلام التي تسمى “الأفلام او المسلسلات البوليسية” ،وتكرار هذه المناظر للجريمة على أنظار المشاهدين بمختلف طبقاتهم يصبح شيئا مألوفا لديهم،ويصبح من الأحداث اليومية.وأخطر شيء يهدم المجتمعات هي المخدرات التي تتفنن هذه البرامج في عرضها على نحو يبرز كيفية  إعداد هذه السموم والمواد المُكوّنة لها،ووإظهار المتعاطين بمظهر البطولة والقوة والذكاء ،وتوضيح وسائل وطرق تعاطيها ،وكل هذه المَشَاهِد لها متابعيها من مختلف الشرائح والأعمار ليصيروا فيما بعد عصابات مُدربة تدريبا عاليامن خلال الخطوات التي حفظوها من استهلاكهم لتلك المَشاهِد التي حفظوا خطواتها ،واستوعبها عقلهم الباطن أو اللاواعي ولعلماء النفس كلمتهم في هذا الميدان([9]).

 ،ناهيك عن المسلسلات التي تحث على العلاقات المحرمة وتبرز أنها شيء عادي خارج دائرة الزواج، وأن من ضاقت به السبل  وفشل في علاقته العاطفية ،فالمخرج هو الانتحار وهو ما حرمته شريعتنا السمحاء وطالبت من به كرب أو هم أن يلجأ إلى الصلاة التي أوصانا بها الحبيب المصطفى الذي كان إذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة وكان يقول عليه الصلاة والسلام لسيدنا  بلال: “أرحنا بها يا بلال أي الصلاة  .فلماذا لا تعرض القنوات البرامج الهادفة والمسلسلات التربوية؟ وكأن الأمر مقصود.          

        وفي الأخير لا نملك إلا أن نقول على كل من يتابع وسائل الإعلام المرئية بالخصوص أن يتحصن بالقيم والأخلاق التي تردعه عن مشاهدة كل ما من شأنه أن يدمر الأسرة العربية المسلمة ومن ثم يدمر المجتمع  المسلم برمته،ويعمل على  متابعة البرامج التربوية التي تعمل على ترسيخ القيم وغرسها في نفوس المتابعين لها.

وحتى تكون وسائل الإعلام أداة تربوية تسهم في بناء القيم الإسلامية وتأصيلها يجب أن تنبثق رسالتها من تصور إسلامي خالص([10])، والتعاون الدائم والمستمر بين المؤسسة الإعلامية والمؤسسة التربوية بأن يكون تنسيق وتخطيط بين الطرفين؛حتى تؤدي وسائل الإعلام وظيفتها على الوجه الأكمل.

المراجع :

  1. الإعلام التربوي،عبد الرزاق محمد الدليمي،دار المسيرة ،الطبعة الأولى،2011-1432،عمان(الأردن).
  2. التحصيل الدراسي وعلاقته بالقيم الإسلامية التربوية،علي عبد الحميد أحمد،مكتبة حسن العصرية ،الطبعة الأولى، ه1430/ 2010م،بيروت(لبنان).
  3. نظرية اللغة الثالثة،أحمد محمد المعتوق،المركز الثقافي العربي،الطبعة الأولى،2005،الدار البيضاء(المغرب).

[1] – الإعلام التربوي،عبد الرزاق محمد الدليمي،دار المسيرة ،الطبعة الأولى،2011-1432،عمان(الأردن)،صفحة 25.

[2] -المرجع نفسه ، صفحة 26

[3] -التحصيل الدراسي وعلاقته بالقيم الإسلامية التربوية،علي عبد الحميد أحمد،مكتبة حسن العصرية ،الطبعة الأولى، ه1430/ 2010م،بيروت(لبنان)، صفحة 435

[4] – التحصيل الدراسي وعلاقته بالقيم الإسلامية التربوية،علي عبد الحميد أحمد،مرجع سابق،صفحة 435.

[5] – المرجع نفسه ،صفحة 436.

[6] – نفسه ،نفس الصفحة.

[7] – التحصيل الدراسي وعلاقته بالقيم الإسلامية التربوية،علي عبد الحميد أحمد،مرجع سابق، صفحة 439

[8] – نظرية اللغة الثالثة،أحمد محمد المعتوق،المركز الثقافي العربي،الطبعة الأولى،2005،الدار البيضاء(المغرب)،صفحة 218.

[9] – ينظر التحصيل الدراسي وعلاقته بالقيم الإسلامية التربوية، مرجع سابق،صفحة 443.

[10] – ينظر التحصيل الدراسي وعلاقته بالقيم الإسلامية التربوية،صفحة 444.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.