مكانة المرأة في المجتمع العباسي

الباحثة: نور علي الرماحي

استاذة باحثة دكتوراه في اللغة العربية وآدباها

لقد حظيت المرأة في المجتمع العباسي بمكانة مرموقة في شتى مجالات الحياة بما يتناسب والتطور الحضاري الذي ساد المجتمع آنذاك، فقد بدت أكثر تحررًا ممَّا كانت عليه في العصر الإسلامي نتيجة الانفتاح الحضاري الذي شهدته البلاد الإسلامية آنذاك، فقد عملت في جميع المجالات سواء الاقتصادية أو السياسية أو الأدبية، وباتت عنصرًا مهمًا في المجتمع العربي، أمَّا من الناحية الأدبية فقد صار لها أدب خاص بها سواء كان شعرًا أم نثرًا,  ومن أهم المجالات التي تميزت بها أدب المجالس والمناظرات، فكُتب لها السبق في هذا المجال، ويأتي بعدها أدب المراسلات فضلًا عن الفنون الأدبية الأخرى، وإذا ما حاولنا تسليط الضوء على ثقافة المرأة في هذا العصر فإننا لا نبالغ إن قلنا إن المجتمع حرص وبشكل كبير على تعليم المرأة القراءة والكتاب كحد ادنى من التعلم، ليتسنى لها التعرف على تعاليم دينها فضلًا عن أمور الدنيا بما يفي حاجتها للقيام بمسؤوليتها اتجاه شؤون عائلتها، أما النساء من أبناء الطبقات العليا في المجتمع، فقد حظين باهتمام اكبر من ذلك من حيث تعلم أسرار اللغة والاضطلاع بشتي أصناف الأدب والبلاغة والبيان وعلم المعاني والمنطق، فقد برعت الكثير من الشواعر في هذا العصر فضلًا عن حضورهن في مجالس العلماء والشعراء ومجارات الرجال في ذلك.

إن الحرص على تعليم الحرائر من النساء في هذا العصر فتح أمام المرأة أبواباً أخرى، فقد بات لها درور في السياسة والحكم ذلك لأنها صارت تحمل ثقافة فكرية فضلاً عن اطلاعها على الآراء والمعتقدات الدينية من خلال القراءة والاطلاع على ثقافات البلدان المجاورة بحكم الانفتاح الحضاري الذي تميز به العصر العباسي عن العصور السابقة له، كما منحها ذلك إمكانية ممارسة الأعمال التجارية فدعاها ذلك إلى الاستقلال الاقتصادي، واذا ما قلبنا صفاحات التاريخ والأخبار والحكايات والرسائل والسير والتراجم والأدب لوجدنا أسماء نساء خالدات رسمن صورة مشرقة للمرأة في هذا العصر على الرغم حملات التشوية التي شنت عليها بحجة التحلل المجتمعي بسبب تداخل الإماء والجواري والقيان، فضلاً عن اتهامها في الخروج عن تعاليم الدين وضوابط المجتمع، إلا أن الأمر غير ذلك فقد حرص المسلمون آنذاك إلى الحد من ذلك التداخل للحفاظ على مكانته المرأة وسموها، فلم تكن نساء الأشراف والملوك والحرائر من النساء في الحانات والملاهي إنما كانت لغير العربيات من الجواري والقيان، وهذا لا يعد تقليلا من شأن غير العربيات إنما كن قد اعتدن على ذلك في بلادهن وقد أكرموا الكثير منهن وصرن على منزلة رفيعة، وباتت بعضهن أمهات أبناء الأشراف، كما حظيت الجواري ممن يقلن الشعر بالاهتمام الذي حظيت به المرأة الشاعرة في العصر العباسي، فقد كانوا يسمعون منهن الشعر ويفضلن على غيرهن من الجواري.