معالم ومواقف على طريق كورونا 

0 12

معالم ومواقف على طريق كورونا 

د. بوجمعة وعلي- المغرب

علمتنا كورونا رغم قساوة دروسها، أنه في زمن الحروب والأزمات والمحن التي تعيشها الأوطان، تنقسم المجتمعات إلى ثلاث فئات:

فئة مستعدة للتضحية بأرواحها وأموالها من أجل أوطانها، فهي متأهبة لحمل السلاح لحمايته، ومستعدة لأن تعطي أموالها لتوفير كل مستلزمات الدفاع عن الوطن، وغالبا تكون هذه من الطبقات الشعبية الدنيا والمتوسطة الأقل استفادة من خيرات تلك الأوطان.

وفئة تستغل الأوضاع للاغتناء عن طريق الاحتكار والمضاربة، وفي معظم الأحيان تكون تلك هذه الفئة من طبقة التجار الكبار والمتوسطين وحتى الصغار، وهم الذين يطلق عليهم ب(أغنياء الحروب والأزمات).

وفئة ثالثة تبحث عن الحل الفردي من خلال السعي إلى الحفاظ على أموالها وأرواحها فقط، ولو من خلال الهروب خارج أوطانها بشكل مؤقت أو نهائي، تاركة أوطانها للمجهول، ومستكثرة فيها أموالها وأرواحها، رغم كونها الفئة الأكثر استفادة في زمن السلم والهناء، وغالبا ما تكون هذه الفئة من كبار الإعمال والسياسيين وأصحاب النفوذ في البلاد… .

في زمن كورونا ببلادنا (المغرب)، ظهرت فئة نساء ورجال الصحة والتعليم والأمن، كفئة في الصفوف الأمامية لمواجهة الجائحة. فالأطباء والممرضين كتبت عليهم وظيفتهم أن يكونوا وجها لوجه مع الوباء من خلال معالجة المرضى، رغم غياب الشروط المساعدة على إتقان العمل، في ظل تواضع البنية التحتية للقطاع؛ والذي تجلى في النقص الحاد في عدد غرف الإنعاش، والأسرة والأطر الصحية والمعدات الطبية، وهو التواضع الذي تتحمل فيه الدولة والحكومات المتعاقبة كامل المسؤولية، بسبب سياساتها التقشفية اتجاه القطاع والمتمثلة في تخفيض نسبة التوظيف في القطاع والتوجه نحو خوصصته، وخفض ميزانيات تجهيز المؤسسات الصحية بالمواد الضرورية…

أما نساء ورجال التعليم، وبعد اتخاذ قرار توقيف الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد، فقد ظهرت أهميتهم في ضمان استمرارية تعلم الآلاف من التلاميذ والطلبة عن بعد، فكان لا بد لهم من بذل جهود استثنائية لتحضير الدروس والانتقال لتصويرها وإلقائها عن بعد عبر مختلف وسائل التواصل المختلفة (قنوات تلفزية، منصات إلكترونية، وسائل التواصل الاجتماعي من فايسبوك وواتساب وسكايب،…)، رغم غياب وسائل العمل الضرورية وأهمها: غياب الإنترنيت، ضعف تكوين الأساتذة في التعليم عن بعد، جدة التعلم عن بعد لدى المتعلمين… وهذا الضعف هو الآخر كان نتيجة السياسات الحكومية؛ التي عملت منذ عقود على ضرب المدرسة العمومية وتهميش أطرها ماديا ومعنويا، والسعي إلى خوصصتها، وهو ما تجلى بوضوح في خطاب رئيس الحكومة المغربية السابق في البرلمان حين قال: “…حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها نهائيا عن مجموعة من القطاعات الخدماتية العمومية وأولها التعليم والصحة، فلا يجب أن تشرف على كل شيء، بل ينبغي أن يقتصر دورها على منح يد العون للقطاع الخاص الراغب في الإشراف على هذه الخدمات”.

أما فئة نساء ورجال السلطة العمومية والأمن بمختلف مؤسساته، فقد كان دورها حاسما في تطبيق وفرض حالة الطوارئ الصحية، من خلال مراقبة الحدود البرية، والسهر ليل نهار على إخلاء الشوارع والأزقة، ومراقبة إغلاق المقاهي والأسواق… في غياب الوعي لدى فئات كبيرة من المجتمع بخطورة الوباء على الإفراد والأسر والمجتمع، حيث كان إلزام الناس بدخول بيوتهم أمرا شاقا ومتعبا، تخللته في بعض الأحيان ممارسات مهينة لكرامة الإنسان، نتيجة الضغوطات الأمنية الاستثنائية.

لقد بينت جائحة كورونا أن نساء ورجال الصحة والتعليم والأمن، هم الذين تحملوا عبء هذه المرحلة العصيبة، رغم سياسة التهميش والتحقير؛ التي عانى منها قطاعي التعليم والصحة على مدى عقود من الزمن، لكن نداء المسؤولية الوطنية والإنسانية كان أقوى من كل الحسابات…على أمل أـن تتدارك الدولة – بعد هذه الجائحة- أخطاءها وسياستها الإقصائية اتجاه القطاعين، وتعيد الاعتبار لمن كانوا في الصفوف الأمامية للمعركة؛ التي أودت بحياة بعض أطر الصحة من أطباء وممرضين، بسبب إصابتهم بالفيروس اللعين، أو بسبب الإجهاد الذي لحقهم أثناء العمل.

أما الفئات التي كانت تستفيد الملايين من المال العام، من فنانين وإعلاميين ورياضيين وسياسيين ومثقفين… وكثير ممن استفادوا من امتيازات وإكراميات الدولة في زمن الرخاء، فلم نجد لهم أثرا، ليس من خلال الحضور المادي فقط، بل أيضا في حملة التبرعات ل “صندوق محاربة جائحة كورونا”، باستثناء بعض المبادرات التي أقدم عليها رياضيون، معظمهم يعيش في الخارج، جمعوا ثرواتهم من عرق جبينهم خارج الوطن، لكن لهم حس وطني وإنساني عالي، أما الذين يعيشون بين ظهرانينا وأكثرهم  أثرياء، وبعضهم يستفيدون من إكراميات تدر عليهم الملايين كل شهر، فلم نسمع لهم حسيسا وكأنهم خارج الزمن والمكان.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.