دور المرأة في بناء الأسرة ، دراسة في التحديات المعاصرة

0 18

د. عمر زهير علي

أستاذ اللغة العربية وعلوم القرآن

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين المصطفى الصادق الأمين وعلى الِ بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المتقين

أما بعد..

ينظر الإسلام الى الاسرة على كونها النواة الأولى لبناء المجتمع وان اللبنة  الأساس لبناء الاسرة الصالحة هي المرأة الصالحة كونها المحور الرئيس لهذا البناء وهي الحاضنة الطبيعية للإيمان فمنها قامت الدولة الإسلامية فأول من آمن من النساء السيدة خديجة بنت خويلد سيدة نساء العالمين زوج النبي الاكرم محمد صلى الله علبه واله وسلم ، فهي أول اسرة في الإسلام وأول حاضنة لهذه الدعوة الشريفة المباركة ، ومن رحمها الطاهر وُلِدَت السيدة الزهراء عليها السلام ، سيدة نساء العالمين بنتاً لخاتم الأنبياء والمرسلين .

كان المجتمع العربي في الجاهلية يعيش حالة مزرية يستهين بالمرأة ويعتدي على حقوقها ويغتصب مالها وتظلم بشتى أنواع المظالم والاستبداد ولم يقف بجانبها احد يدافع عنها ويعيد لها انسانيتها وكرامتها التي منحها الله تعالى لها ولم يفكر احد ان لولا المرأة لأنقرض الجنس البشري على الكرة الأرضية وكان يُستثنى منهن ذوات الحسب والنسب والبيوتات الكبيرة ذات الثراء الواسع والشهرة العريضة بين القبائل فظهر منهن ذوات المال والجمال وااشاعرات وحكيمات التصرف ومن عُرِفن بالثقافة الواسعة اللواتي يُحسنَ القراءة والكتابة وسلاسة التصرف

كما تجدر الإشارة ان هذه الظواهر السيئة التي تتصف بها المرأة العربية في الجاهلية هي عادات طارئة وليست اصيلة على المجتمع العربي والمرأة العربية قبل الإسلام فقد اتصفت المرأة العربية قبل الإسلام بمواقفها المشرفة والدليل على ذلك عندما ترك سيدنا إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) زوجه هاجر وابنه إسماعيل  ( عليه السلام ) في مكة المكرمة ، قال تعالى : (( ربنا اني اسكنتُ من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون )) ، فمنذ تلك اللحظة كان للمرأة العربية دوراً ايمانياً وجهادياً واجتماعياً جنباً الى جنب مع ابي الأنبياء سيدنا إبراهيم ( عليه السلام ) وظلت مكانة المرأة العربية في المجتمع العربي مرموقة وعندما نزل القرآن الكريم أعطاها التكريم والمكانة الرفيعة التي علا بها شأنها ومن هذه الأيات المباركة اذكر منها ما يأتي  

  • المرأة على درجة واحدة من الرجل في التكريم والاجلال عند الله تعالى ، قال تعالى : (( ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ))
  • قدسية حياة المرأة والرجل على مرتبة واحدة من المكانة والصون عند الله تعالى ، قال تعالى : (( من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفساً بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعاً … ))
  • المرأة منبت البشرية ومنشأ اجيالها ، قال تعالى : (( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء …))
  • المرأة في الزواج سكن ومصدر للمودة والالفة والحنان ، قال تعالى : (( ومن اياته ان خلق لكم من أنفسكم ازوجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لاياتٍ لقوم يتفكرون ))
  • أناط الله تعالى للرجل والمرأة على السواء مهمة تكاثر السلالات البشرية وتعارفها وتعاونها وإقامة الاسرة باعتبارها الوحدة البنائية الأولى والاساس في إقامة المجتمعات البشرية من غير تمايز بينهم على أساس الجنس او اللون او العرق ، قال تعالى : (( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم … ))
  • مسؤولية الحياة وتصريف شؤونها ورعاية مصالح العباد تقع على عاتق الرجل والمرأة سواء بسواء وبما إختص كلا منهما من واجبات ، قال تعالى : (( ومن يعمل من الصللحات من ذكر او انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولايظلمون نقيراً ))

ومن الآثار الواردة عنه عليه الصلاة والسلام في مكانة المرأة

 كمال خلقه صلى الله عليه واله وسلم ان يصل بالهدايا صديقات زوجه السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، عن انس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا أُتيَ بهدية قال : (( اذهبوا به الى فلانة فإنها كانت صديقة لخدبجة ))

وقوله صلى الله عليه واله وسلم : (( استوصوا بالنساء خيراً ))

حيث يشير الحديث الشريف الاهتمام بامر النساء عامة زوجةً واماً وابنةً واختاً ، وعد النبي صلى الله عليه واله وسلم مقياس افضلية الرجال بحسن معاملته للمرأة والزوجة بصفة خاصة لانها اكثر امراة لصيقة بالرجل ، فقال صلى الله عليه واله وسلم : (( اكمل المؤمنين ايماناً احسنهم خلقاً وخيركم خيركم لنسائهم ))

ورغب النبي صلى الله عليه واله وسلم بالاحسان الى الزوجة والتوسعة عليها في النفقة ، قال النبي صلى الله عليه واله وسلم : (( دينار انفقته في سبيل الله ودينار انفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار انفقته على اهلك أعظمها اجراً الذي انفقته على اهلك ))

ومن ابرز التحديات التي تواجهها المرأة في واقعنا المعاصر والهجمة الغربية الموجهة على المرأة المسلمة ، رغم ادعاء الغرب العريض وايمانه بالتعددية وترويجه للحرية والديمقراطية وقبول الاخر ، لذا فان الغرب لايرضى من الشعوب والحضارات الأخرى الا ان تتبنى فكره ورأيه في كل شيء واي شذوذ عن ذلك من قبل المجتمعات التي تحاول الدفاع عن نفسها بواسطة الحفاظ على شخصيتها وهويتها يعدونه تخلفاً ورجعية وخروجاً عن سبيل التقدم ويدخلونه في مجموعة من التهم المغرقة في الكذب والنفاق مثل الإرهاب والتعصب والاعتداء على حقوق الانسان ، وان من ابرز التحديات المعاصرة التي تواجه المرأة في وقتنا الحاضر تتمثل بما يلي :

أولاً التحديات الاجتماعية :

تتعرض المرأة المسلمة في وقتنا الحاضر للعديد من التحديات الاجتماعية التي يهدف من خلالها أعداء الإسلام الى وضع المشكلات والعراقيل التي تدمر العلاقات الاسرية وتهدم الروابط القوية التي تجمع بين افراد الاسرة المسلمة ، وفي اطار هذه التحديات حيث أثيرت قضايا متنوعة منها ما تتعلق بتشويه العلاقة بين الزوج وزوجته من خلال تقديم مفاهيم مغلوطة حول قوامة الرجل وشبهات حول حقه في تعدد الزوجات وتعليم المرأة وسفرها وعملها الى غير ذلك من القضايا وان سبب هذه الهجمة على المرأة لانها تمثل الحجر الأساس الذي تقوم عليه العلاقات الاجتماعية فالمرأة داخل الاسرة والمجتمع هي المشرفة على تبادل الزيارات والمسؤولة عن المحافظة على صلة الارحام وتنظيم المناسبات الاجتماعية ، اما ان اهملت مهامها ومسؤوليتها فان افراد المجتمع يصبحون عرضة للشقاق والانطواء على الذات الذي يجعل المرء لا يكاد يشعر باخيه ولما درس أعداء الإسلام هذه القضية والمجتمع المسلم بعاداته وتقاليده وقيمه وقفوا على دور المرأة في القيام بهذا الدور ومن هنا جاءت برامج التلفاز والمسلسلات والأفلام لتكون هي الشاغل الجديد الذي يشغل المرأة ويعيق اداءها لمسؤولياتها الاجتماعية داخل الاسرة وخارجها

كما ان واقع تاثير وسائل الاعلام على الاسرة كونها تستهدف تلك الاسرة وتركز على كل من المرأة والطفل على وجه الخصوص والسيطرة على الاسرة وتوجيهها من خلال استخدام الحيل السلوكية في الإعلانات والوسائل الأخرى ، فمن هنا تصبح المرأة عرضةً للخداع حيث تفقد القدرة على التواصل عن قرب مع مجتمعها وامتها ويؤدي الى ابحارها في الفضاء المعلوماتي والعالم الافتراضي والانغلاق داخل هذا الفضاء والانعزال عن واقعها ، وامام هذه التحديات يكون المجتمع المسلم بحاجة ماسة الى النساء الصالحات وخير مثال على ذلك هو خلق سيدة نساء العالمين الذي كان خلقها النبوي انموذجاً للاخلاق الكريمة الفاضلة

ثانياً : التحديات التربوية

وفي اطار هذه التحديات تأتي التحديات التربوية الموجهة على المجتمع المسلم من خلال المرأة بهدف تدمير الاخلاق الإسلامية والاداب السامية للمجتمع المسلم ولايخفى ان المشكلات الاجتماعية التي يتعرض لها المجتمع الإسلامي تؤثر سلباً على تربية أبنائه وسلوكياتهم ومن هنا تواجه المرأة المسلمة معظم التحديات التربوية التي يتعرض لها المجتمع مهما كانت الفئة التي توجه اليها هذه التحديات ، علماً ان هذه التحديات التربوية التي تواجهها المرأة المسلمة في وقتنا الحاضر بعضها خارج المنزل كالتحديات المرتبطة بالحجاب والاحتشام في مواجهة التعري والتبرج ، وان من ابرز الدعوات التي نادت بتحرير المرأة والانسلاخ عن مبادئها وقيمها هي دعوة المفكر المصري قاسم امين حيث أصدركتاب اسمه ( المرأة الجديدة ) عام ١٩٠٠ م ، وكأنه عُني بهذا العنوان المعبر الإعلان عن بروز امرأة جديدة غير التي عرفها المسلمون أي انها امرأة متمردة على التقاليد والإسلام معاً 

اما الامر الاخر من هذه التحديات يقع داخل المنزل من خلال ما تعرضه عليها الفضائيات من وسائل الاغراء والازياء الفاضحة وما تتعرض له من أفكار مضللة وشبهات منفرة واقاويل مزعجة وبرامج تزعم انها تحل مشكلات المرأة ومن خلال جميع هذه المحاولات تبدأ بالتخلي رويداً رويداً عن تعاليم الإسلام وتنقل ذلك الى أبنائها والاجيال التي تربيها فينهار المجتمع المسلم وتنطمس معالم الإسلام ويبتعد المسلمون عن سيرة وهدي سلفهم المتمثل بالنساء المسلمات وانه لا علاج لهذه الامة الا بالرجوع الى المنهج الصافي الذي من تمسك به نجا ومن تخلف عنه تاه او هلك ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.