اليمن بين أزمة الشرعية والسلطة الفعلية

0 17

اليمن بين أزمة الشرعية والسلطة الفعلية

د. جمال الهاشمي

عندما نتحدث عن السلطة الشرعية لا يعني أنها السلطة المنتخبة، وليست السلطة المغتصبة، فكلاهما معا أظهرا الآلية التي قامت بها السلطة، من خلال المشاركة للأولى أو أستخدام القوة العسكرية للثانية، وبقاء السلطة وفقا لهاتين الآليتين ليس كافيا.

وتتحقق الشرعية وفقا للمفاهيم الديمقراطية والإنسانية والتاريخية بمفهومي العلم والقدرة، أو هي  تلك السلطات القادرة على توظيف الإمكانيات المتاحة لتحقيق الأمن والتنمية وممارسة التنظيم والإدارة، وبناء نظرية التكامل الاجتماعية  والوحدة الجغرافية ، أو معالجة المشكلات وحل الأزمات وتحقيق المقاربات بين مؤسسات ومكونات وجماهير بناء الدولة.
تؤكد الدراسات السياسية والعسكرية أن السلطة تعني الأمر والقدرة معا، وهي رؤية شمولية تضم القوة الناعمة ويندرج تحتها مفاهيم الكاريزمية والقوة الدبلوماسية وقوة الإدارة والتنظيم والفاعلية هذا في إطار الأمر.

أما القدرة فتعني حصيلة الأمر من نتائج ومخرجات وتغذية عكسية تغذي مفاهيم الشرعية على المستوى النظري بانعكاسات ايجابية تتدفق من القاعدة الشعبية إلى الأعلى وأهمها الرضا الشعبي بقرارات السلطة من جهة أو النقد من جهة أخرى وأقصد بالنقد الرؤية التي يتقاسمها الشعب مع السلطة والعكس، وهذا يضمن بقاء واستمرار السلطة. بينما سلطة الأمر  تنفصل عن القدرة لكونها لا تمتلك الشق الأول من معالم الشرعية، وتعني فقط استخدام القوة الصلبة، التي هي من أهم وسائل استحقاق الشرعية.

بالنسبة للسلطة الشرعية في اليمن بقيادة المشير عبده ربه منصور هادي في قراءة نقدية لموضوع الشرعية، نجد سلطته في ظل الانقسام الدولي ليست أكثر من سلطة أمر مجردة عن القدرة، وبالتالي فإن السلطتان في اليمن تتوزعان بين سلطة الأمر على الواقع المقاوم بقيادة الحوثية، وسلطة الآمر أو واقع الأمر ممثلة  بالسلطة الشرعية.
إذا نظرنا للعامل المحلي فإن السلطة الشرعية بقيادة الرئيس عبده ربه منصور هادي لا تشكل إجماعا بين الأطراف المحلية الفاعلة، إلا من جهة تقاسم الوظائف العامة للدولة، أو تقاسم المصالح المتوقعة فيما بعد الحرب. ومن ثم فإن سلطة الأمر مرتبطة بمفهوم المقابل المادي، وتقاسم النفوذ، بمعنى الدولة تمر بمرحلة تقاسم النفوذ في إطار المصالح الفئوية الخاصة، وليست المصالح العامة المشتركة.
وإذا تأملنا جيدا لمفهوم شرعية السلطة سنجد أن السلطة ليست سوى توافق بين أحزاب وقوى وجهويات كانت من قبل جزء من النفوذ السياسي للسلطة الحاكمة، وكانت منذ بداية التوافق الكلي للأطراف تصارع الرئيس على النفوذ وتحاول إزاحته أو مقاسمته سلطة القرار والأمر، تسعى من خلاله تشكيل سلطات مقاومة بالسيطرة على مؤسسات الدولة السيادية أو سلطات الدولة العامة.
وفي الجانب الآخر فإن الشعب الذي يمثل معيارا لسلطة الشرعية يفتقر للمؤسسات التوعوية القادرة على تنمية مفاهيم الإدارة والشرعية، ومفاهيم الوطن والتنمية، ومفاهيم التكامل والمصالح العامة، أو المفاهيم تنظم الولاء والهوية الرئيسية وتمنحه حق الانخراط في ممارسة سلطته بعدا عن التحيز الحزبي والجهوي والمفاهيم السلبية التي تهدد أمن الدولة واستقرارها والحياة المجتمعية الآمنة.
إوإذا كان يمارس سلطته دون هذه المؤسسات التي تمثل سلطة رأي كغيره من الشعوب العربية ليس مؤهلا لممارسة حرية الاختيار، أو عدالة النقد، وبذلك فإن الشعب الذي يمارس سلطة الشرعية ليس مؤهلا أو قادرا على منح استحقاق السلطة الشرعية لأنه في الأساس يحتاج إلى وصاية تؤهله لممارسة الحق على الوجه اللازم وتبقى سلطة الدولة مرتهنة في هذه الحالة وتابعة قانون الأقوى.

وكذلك فإن سلطة الشرعية ليس أكثر من مفهوم يسعى ليكون عرفا بمعايير شرعية جديدة تتباين مع مفاهيم الشرعية التاريخية أو مفاهيم الشرعية الغربية المعاصرة.
من جهة أخرى فإن الإدارة التنموية وعدم قدرة السلطة على احتواء الشعب في مدينة آمنة لضمان الحفاظ على آليات التنمية والتعليم والعمل وفقا لمعايير الكفاءة والعدالة والنظام والرحمة الذي يعد من أهم معايير بقاء واستمرار الدولة، يضعف شرعية السلطة إداريا وتنمويا وسياسيا.
وفي المقابل فإن الهجرة الداخلية للسكان تعد معيارا للشرعية حيث أنه كلما تركز عدد السكان في إحدى مناطق وجود السلطتين المقاومة، والمغتصبة، أو شكلت قطبية الهجرة، زادت من شرعية أحد سلطتي الأمر وفي المقابل تضعف الأخرى.
كما  أن السلطة الشرعية التي ما تعجز عن تفعيل دور الدبلوماسية الدولية والعربية في ظل إرهاق ميزانية الدولة بنفقات خارجية على وظائف دبلوماسية وهمية دون مدخلات إيجابية، فإنها عبر هذه المؤسسات الدبلوماسية تفقد شرعيتها بين الأطراف الدوليين، وأن سلبية الدبلوماسية اليمنية بلا شك تعطي الشرعية لسلطة داخلية مغلقة على نفسها ومقصية عن العالم.
وهو ما يستدعي النظام السياسي اليمني ويدعوه إلى  موازنة الأمور بواقعية وعقلانية من أجل تحديد معالم الدولة وطرق معالجتها ولثم الهفوات والعمل على صيغ مسودات منهجية علمية تقارب بين المفاسد والمصالح على المدى البعيد والقريب ومن خلال آليات فاعلة.
وإذا كان واقع المؤسسات الدبلوماسية اليمنية بهذا الركود والتبذير والسلبية المطلقة في مثل هذه الأزمات، فإن واقعها بعد الحرب سيكون أشد سلبية من حالها الآن، كما أن المؤسسات الإدارية في الداخل والتي تعاني السلبية نفسها تؤكد على استمرار واقع الحال نفسه.
وإذا كانت اليمن في عهد الرئيس السابق في أمس الحاجة للمعايير المؤسسية لضمان بقاء الدولة واستمرارها وإن تغيرت نظمها السياسية فإن دولة الشرعية تحتاج إلى معايير وظيفية ومعايير مؤسسية ومعايير أخرى إضافية لضمان شرعيتها من جهة ومن جهة أخرى لضمان إنقاذ ما تبقى من صفة المجتمعات اليمنية.
أما الحديث عن الدولة اليمنية فليست أكثر من قولنا أنها دولة تاريخية ومعالم دولة غابرة، لأن حديثنا عن دولة يتنافى مع المعاير الدولية المعاصرة أو معايير الدول التقليدية القديمة، مع اعتقادنا بصحة المجتمعات اليمنية الذين يعيشون خارج نطاق سلطة الدولة، وتنتظم سلوكياتهم في الغالب على مفاهيم الرحمة والتحكيم في حل النزاعات.

لأن معايير السلطة الشرعية لا يعني سلطة القهر وجبي الضرائب وإرهاب الناس، بل تعني تحقيق أعلى  مستلزمات الأمن والتعليم والتنمية، والصحة والإدارة في أقل ما يمكن تداركه من وظائف الدولة لضمان استمرار بعض مقاييس الشرعية.
أما  كيف تشكلت السلطة الشرعية وما مدى انسجامها ما مفاهيم الدولة الحديثة؟ وهل صراع المكونات داخلها يفقدها الصفة الشرعية؟ وهل تمتلك القوة في فرض سلطة الأمر على مكوناتها الائتلافية؟ وهل لديها القدرة على فرض سلطة الأمر الواقع وتنمية صفتها الشرعية؟ وإذا نظرنا من جهة أخرى للمعايير المكانية والزمنية والجغرافية فإن للسلطة والشرعية والأمر والقدرة معايير أخرى تتوضح بها معالم الشرعية، بينما تختلف معايير ومعالم الدولة إلا إذا نظرنا من جديد لمفهوم بناء الدولة؟
وإذا نظرنا لمن بحث في موضوع الفيدرالية وحل إشكالية الدولة؟ فإن الفيدرالية كمفهوم إداري وضع لمعالجة خلل إداري قائم وبذلك فإنه كمفهوم يحتاج لوجود نظام شرعي يمتلك أدوات الإكراه ودولة قائمة، وما دون ذلك  فإن الحوار حول موضوع الفيدرالية كنظام إداري ليس أكثر من دراسات افتراضية غير واقعية وسابق لوجوده على الواقع لانتفاء وجود الدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.