المرأة المسلمة في الفكر العسكري لخالد بن الوليد

0 18

أ.سعاد بن طير / باحثة متخصصة بالتاريخ الجزائري

إنه خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي (30ق.ه-21ه/592م-642م) الملقب بسيف الله المسلول هذا الصحابي المشهود له ببراعته ليس في القتال و حسب، و إنما في التخطيط العسكري أثناء حروب الردة و فتح العراق والشام في عهد خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ولعل الحديث يطول إذا ما ذكرنا المعارك التي خاضها ضد الفرس و الروم بكل تفاصيلها؛ فقد خصص العديد من الكتاب المختصين والمؤرخين حيزا كبيرا لتأليف كتب تناولت الدهاء العسكري لهذا الرجل كما استقطب لفترة طويلة اهتمام الباحثين الأجانب لا سيما المخابر التاريخية العسكرية الأوروبية والأمريكية التي لا تزال إلى يومنا تقوم بعملية التمحيص والتحليل في سيكولوجية هذا القائد المتميز ومحاولة فهم طبيعة فراسته و إبداعه في تصميم مجريات المعركة ونسج مسارها محددا في ذلك نصرا حتميا في زمن لم يشهد بعد تشييد المدارس العسكرية ولم تكن مكتبات تزخر بالمؤلفات و المخطوطات والوثائق والرسومات الخاصة بهذا المجال التي تساهم في تنوير وفتح أفاق الخارطة الإدراكية لدى الجنود والقادة، وعليه كان انتقاءنا لجانب نموذجي في غاية الأهمية ركز فيه القائد خالد بن الوليد إشراك العنصر النسوي معتمدا على دقة الملاحظة وطبيعة المهمة المخولة لها وموقعها في تشكيلة الجيش ثم كيفية التنفيذ.

الدعم النفسي أم الحرب النفسية:

كان وجود المرأة المسلمة في الجيوش الإسلامية أمرا مدروسا ولم ينظر إليها من زاوية المخلوق الحساس المرهف والمفروض حمايته فقط ،إذ تعود الذاكرة إلى المنطلق الأول  لمساندة المرأة المسلمة للرجل المسلم كانت بدايته مع الحدث الأعظم عندما نزل الوحي على رسول الله عليه الصلاة و السلام في غار حراء و كان وقعا مروعا عليه سارعت خديجة بنت وهب زوجه رضي الله عنها بتهدئته و زرعت في نفسه الثقة بالله أولا وأكدت وقوفها إلى جانبه مهما كانت الأحداث المستقبلية ثانيا؛ فاستمد منها القوة و العزيمة، هذه الخاصية كرم الله بها خلقه للرجل ميزات و للمرأة ميزات أخرى إذا امتزجت اكتملت المعادلة الكيميائية الإنسانية، و تلتها وقائع أخرى في المساندة سواء من زوجات الرسول عليه الصلاة و السلام أم النساء المسلمات و قد ذكرتهم دراسات عديدة، من هذا المنبع باستطاعتنا فهم و تحليل منظور خالد بن الوليد في الاستعانة بالمرأة المسلمة في المعارك ضد أعتى عدوان للمنظومة الإسلامية، لعل معظم الجماهير الإسلامية والغير الإسلامية المختصة في مثل هذه الأبحاث اطلعت على المعارك الإسلامية ونخص بالذكر معركة اليرموك (15ه-636م) بين المسلمين والروم (الإمبراطورية البيزنطية) التي تعد من أبرز المعارك في بداية انتصارات المسلمين خارج جزيرة العرب و أدت إلى التقدم السريع للإسلام في بلاد الشام، حدث هذا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه و تولي خالد بن الوليد قيادة الجيش لمساعدة الصحابي عبيدة بن الجراح، أما تعداد قوات جيش المسلمين كان حوالي 36 ألف مقاتل في حين بلغت جيوش الروم 240 ألف مقاتل، الفارق شاسع والنتيجة الحتمية من الوهلة الأولى قد رجحت الهزيمة للمسلمين للاختلال توازن القوى، لكن القائد خالد بن الوليد تفطن إلى تكتيك عسكري بحيث اتفق مع مجموعة من النساء أن يأخذن موقع مؤخرة الجيش الإسلامي وكان عليهن حمل الحجارة ؛ فإذا رأت بعض الفرسان مدبرين عن ساحة الوغى يضربن الخيول بالحجارة وهذا سيجبرهم على العودة للقتال، بالفعل اتخذت النساء مواقعهن و كانت منهن من حملت معها ابنائها صبية صغار فكلما اشتدت المعركة و هب بعض الفرسان للتراجع كانت النساء بالمرصاد يضربن الخيول بالحجارة  وهن يرددن بأصوات مرتفعة شديدة النبرة شعرا حماسيا يشيد بخصال الأقوام وشجاعتهم في الحروب و يرددن الوعد لمحمد رسول الله ولانتماء لأمته للضفر بالنصر أو الشهادة في سبيل الحق.

كانت رؤية خالد بن الوليد صائبة إذ لا يمكن الجزم بمجريات المعارك ؛ فالفرضيات واردة أمام هول صورة جيش كبير بالألبسة الحربية الغليظة  وأدرع  وسيوف وسهام و خيول منمقة قد يتخلل دون شك الريب وفقدان الثقة في نفوس بعض الجنود مما يشكل خطرا على باقي الجيش، هذه الفرضية كانت من بين الأمور العسكرية التي لم تغب عن فكر خالد بن الوليد لذلك وجود المرأة المسلمة بمثابة الجدار الحصين والمحرك الدافع الذي يضمن استمرار الرجال في المعارك والثبوت على مقاومة أي متغير في الأحداث سواء التعب أو الشعور بالهزيمة أو الخوف من الموت، كذلك فكرة النساء لحمل أبنائهن معهن صورة قوية إذا ما فككنا رموزها فالرجل عند رؤيته لأبنه أو مجرد صبي صغير لقومه يتذكر دوره في حمايته وضمان بقائه لاستمرار الحياة ونشر الرسالة وأكثر من ذلك الصورة التي تتشكل في ذهن هذا الصبي وهو يرى الفارس يتخلى عن رفاقه هاربا من المعركة ،أي مبادئ وأي شمائل ستغرس في ذاكرته و ماذا سيصقل شخصيته؟ بالتالي كان موقع المرأة المسلمة في المعركة دعما نفسيا للجنود و حرب نفسية أعدت بفطنة و بأنتليجانسيا لم يسبق لها مثيل من قبل و تكتيك عسكري لا يملكه إلا من كان له إدراك بخصوصية الجنس الأخر واستوعب حقيقة فحو الرسالة الحضارية التي حملها الإسلام وخص بها مكانة الرجل ومكانة المرآة على حد سواء، و قد ذكر الواقدي في كتابه فتوح الشام أسماء لهذه النساء اللواتي تمتعن بالشجاعة و الصبر والحكمة والعزيمة منهن :هند بنت عتبة بن ربيعة وسعيدة بنت عاصم الخولانية و عفيرة بنت غفار وخولة بنت الأزور وغيرهن ويمكن الرجوع لدراسات معمقة لهن و لخصالهن و ميزاتهن، هذا الجانب العسكري الذي حضي بالمشاركة الفعالة للمرأة المسلمة وإذا صدقت مقولة ” الحرب خدعة” فلأن في غالب الأحيان الكلمة أشد من السيف.

التاريخ مفاتيح لحضارة بداياتها من العصور الغابرة إلى يومنا هذا منها نستنبط نقاط القوة و نقاط الضعف ونستشف الحقيقة المنطقية لوجود الإنسان ومهمته الأسمى في الحياة دون التغاضي عن الإنسان ككلمة واحدة نخص بها الرجل والمرأة معتمدين في ذلك القانون الأول للحياة هو وجود أدم وحواء كزوج في استمرار العنصر البشري وبناء الحضارة المتواصلة و حتى لا ننسى من نحن وإلى اي زمرة ننتمي سنتطرق في مقال لاحق عن إنجازات المرآة المسلمة  في حقبة تاريخية ليست ببعيدة لنقارن الروابط و القواسم المشتركة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.