الشباب والفعل الإسلامي

0 16

د.محمد المرابط

إن الناظر في الفعل الشبابي في الحضارة الإسلامية يرى أن لهم دورا بارزا في البناء الحضاري الإسلامي، ففي عهد النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم، كان الشباب عماد الفعل الإسلامي بكل تجلياته وصوره، والذي يدفعنا إلى قراءة الفعل الشبابي في الصدر الإسلامي من جهة، والتأمل في الفعل الشبابي  المعاصر من جهة ثانية.

على الشباب -ذكورا وإناثا-، التأمل في الذات الشبابية الفاعلة تأملا واقعيا حقيقيا، من أجل معرفة موقعهم في واقعهم الثقافي والسياسي والاجتماعي، وكذا معرفة علاقتهم ببعضهم بعضا  (أي الشباب )، وعلاقتهم بغيرهم بكل صورها ومقاماتها وأبعادها، الفردية والجماعية، وهذا يُبنى على النظر في الفكر والسلوك. وبيان ذلك من جهتين :

 إحداهما : جهة الأصول، وهي المعالم الكبرى، التي تكونت منها هويته الدينية والحضارية، فالإسلام دين يدعو  المومنين به إلى التآخي والتآزر والاعتصام بحبل الله، والعمل الصالح النافع الذي ينهض بالأمة ويحيي هويتها الحضارية.

 والثانية : الغايات، أي الرؤية الاعتبارية للفعل الإسلامي بشكل عام والشبابي منه بشكل خاص، حتى يكوِّن رؤية كاملة، بناء على المعرفة الواقعية، والمقاصد الشرعية .

والمتأمل في واقع  الشباب يرى بوضوح انه يتسم بتعقيد وتداخل عميقين، الأمر الذي لا ينفك إلا ذهنيا. وذلك لما في الإنسان بشكل عام، والشباب بشكل خاص، من تعقيدات وصعوبة في الفهم، من حيث بنيته الروحية والنفسية والأخلاقية من جهة، وما اُنتج عن العولمة الإعلامية والتكنولوجية، التي تتحكم في الرغبات، وتصنع المثال، وتفتح باب الشهوة بمعناها الكلي من جهة ثانية.

والفعل الشبابي بجميع صوره وأشكاله في حركة مستمرة  وبسرعة مذهلة، ولهذه الحركة بعدان :

  • الأول : بعد  ايجابي، وهو مبني على  تأمل الذات ومساءلتها، ومن ثم العمل على

توجيه كل الطاقات المادية والمعنوية الشبابية من أجل إيجاد مكان يناسب الهوية الإسلامية في الخريطة المستقبلية للعالم بصورة أخلاقية .

  • والثاني: بعد سلبي، مبني على  ما تقدمه المادة الإعلامية، وتقنيات الاتصال والتواصل، ولهذا البعد غاية أساسة، وهي قتل حس المسؤولية والفاعلية الايجابية، ولهذه الغاية السلبية نتيجة كارثية، وهي جعل الشاب الواعي المثقف تابعا لـ”تافه” (لاعب كرة القدم)، فيصبح “الترفيهي” مسيرا للواعي والمثقف، كما يصبح الأول معرفة، والثاني نكرة.

فكلما تنكر بعض الشاب للحضارة الإسلامية، نتيجة الافتتان بالحداثة الغربية، سيتنكر لهم من افتتنوا به، والواقع خير دليل على ذلك، فمن المعروف أن غالبية الشباب المسلم الذي درس في الغرب في القرن العشرين او الواحد والعشرين، افتتنوا وتنكروا للفعل الحضاري الإسلامي، فتنكر لهم من افتتنوا به، وأصبح بعضهم أداة استشراقية أو استغرابية. وبما أن لكل إنسان  هويته العامة والخاصة، فكذلك له طريق أو طرق في النظر إلى نفسه وإلى الله والحياة والكون. فللحياة مثلا، نظام  رباني كوني، له نواميس طبيعية تجب معرفتها من أجل رسم مسار سوي في الحياة بكل أبعادها.

والذي على الشباب معرفته ، أن من رسم /يرسم طريقا واضح المعالم لمستقبله، سواء كان فردا أو جماعة أو دولة سيتعرض لضربات وهزات من جهات متعددة، بصورها المتنوعة الخاصة والعامة ، وهذه الضربات والهزات ما هي – في نظري – إلا وسيلة.  يمكن الاستفادة منها، في الأمور التالية:

اولها: معرفة الذات  الشبابية معرفة حقيقية في عالمها الخاص، الأسرة، الجماعة (فكرية كانت أو سياسية)،الدولة، الحضارة، العالم .

ثانيها: تقويم الذات الشبابية  بالاعتبار السابق، وتقويتها بإفراز قوتها الخفية بكل أشكالها، والظاهرة بكل صورها، بحيث تصبح موجودة بالفعل، في حياة المسلم والإنسان بشكل عام، بناء على الموازنة بين القضايا الكبرى  السياسية والاقتصادية بكل تجلياتها، والعمل على ضبط توازنها في أصعب الظروف.

ثالثها: الاستعداد للمستقبل بشكل يليق بـالذات  الشبابية الإسلامية، وذلك لا يكون إلا بتحمل الأمانة وتتجاوز الصعاب، وإنجاز المطلوب في ما ذكر.

أيها الشباب إن تحرير العقل من الجمود والتبعية لا يتم بالتمرد العشوائي على الأصول والفروع، وطرائق الفهم، وتحقيق المناط، إن التحرر من الجمود والتبعية، يعني التفكير المسؤول، والوعي بما هو عليه، وذلك بناء على:

أولا: التمكن من القواعد والقوانين الأساسية لكل فن من فنون المعرفة، المراد تجديدها أو نقدها….

ثانيا: امتلاك وسائل فهم الواقع والوقائع بعيدا عن أي تجاذبات ابتداء، وتوجيه الواقع توجيها حقيقيا “ذاتيا” انتهاء.

ثالثا: الفهم السليم للإسلام وأصوله ومقاصده، التي لا تنفك باعتبار تكامل النص والمقصد، فهماً يساير العقل والروح والنفس وأحوال الإنسان كلها، الحالية والاعتبارية.

رابعا: كشف الخدع والمغالطات الثقافية الاستشراقية والاستغرابية … التي هدفها إضعاف الثقة في الذات، وإحلال ذات أخرى محلها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.