الرؤى والتنمويات اللازمة في عصر التحديات والأزمات المعاصرة

0 17

د. جمال الهاشمي

رئيس مركز الإصباح للتعليم والدراسات الحضارية والإستراتيجية

إن الحديث عن صلب التنمية وطموحاتها يستدعي بالضرورة الحديث عن البيئات المناسبة لوجودها، وتتنوع هذه البيئات التي تحتاج إلى قياسات تجريبية؛ دينيا وثقافيا وتعليميا وأمنيا ومجتمعيا هذا من جهة المحور الأول كضرورة شرطية لازمة لتحقيق النمط الثاني المتعلق بالجوانب الإجرائية والذي يستدعي الوقوف بالضرورة على الذهنية الإدارية وذهنية التشريع أو القوانين والذهنيات التنظيمية، وهو محور تال ومكمل للمحور الأول، ومن ثم يأتي موضوعات المحور التالي المتعلق بالإستراتيجية الإجرائية للرابط المنطقي بين الشق الأول والشق والثاني من الفعل الاستراتيجي وهنا يأتي دور التجسد الحقيقي لمفهوم سد الثغرات وقياس الإمكانيات وتحديد الممكنات وتأتي مع هذه المحور فلسفة المكان والزمان، وهي القيمة المتحولة لفلسفة القيمة والفائدة في النظريات الاستثمارية والإدارية.

تأتي مع هذه في فلسفة التجسد مراحل أخرى للتطوير البرمجي وهي التي تحدد مدى القدرة من جهة، والمحدد الزمني المتوقع لاستعادة النفقات من جهة أخرى.

عندما تتكامل الاستراتيجية التنظيرية مع استراتيجية الإجراء، تتشكل استراتيجية الممانعة وهي التي تحدد معايير الوصف ومقاييس الفعل.

وبذلك تكون الاستراتيجيات الأولى قد أصبحت جزء من الواقع، ومغذية لها، وهنا تأتي استراتيجية التنفيذ، وتبعا لها استراتيجية التطوير.

ونؤكد بأن الدراسات الفعلية للعمليات التنموية لا تأتي برسم التصور الثاني، وإنما بمقاربة ذلك التصور بالمنطق، ومقاربة المنطق بالحال، وربط الحال بالواقع، من هنا وبها تتشكل العقلية الإدارية الوطنية التي لا تنطلق للتقليد أو الارتباط بالآخر قبل أن تبدأ بدراسة الاستراتيجية النظرية والتجسيديةن وقياسها قياسا منهجيا، كميا وكيفيا، ووصفيا، ونفسيا، وماديا، … إلخ وتشكل بنك للبيانات المعرفية الفعلية، وليس المعرفية الوصفية. وهنا يمكن معرفة مدى قوة العقلية الإدارية في ووضع مشاريعها المستقبلية للتنموية الوطنية، ثم نمذجتها إقليميا ومن ثم بناء قطبيتها العالية.

إن الطموح مهما للغاية ولكن إن لم يرتبط بقواعده تحول إلى يأس وانهيار وعنف وأزمات تتجذر، تضر بالمجتمعات والتنموية والأمن والاستقرار، وهنا ينبغي التركيز على التمرحل الذكي الذي هو من أهم معايير الجودة الإدارية.

ولهذا كثيرا ما نجد فشلا في التنمويات العربية المعلن عنها سياسيا نظريا لأن التركيز السياسي يعتمد في الأساس على مفهوم السيادة، وليس الإدارة، وأيضا لأنه يرتبط بجانب آخر وهو موضوع التنفيذ واستخدام الخبراء العالميين لتنفيذ المشاريع المزمع فعلها، وهو ما يجعلها مشاريع صوتية تنتهي غالبا ليس بزوال المشاريع التنموية فحسب وإنما بتدمير البنى المجتمعية والفوضوية وربما زوال الدولة.

وغالبا ما تؤدي هذه التنمويات إلى استنزاف القدرات والإمكانيات الوطنية، وتزيد من اعتماد الدولة على الآخر، وهو ما يوسع من دائرة الفقر وانهيار الطبقة المتوسطة، واستنزاف ـأو تدمير رأس المال الاجتماعي.

إن استقدام الباحثين والخبراء والمبدعين دون وضع معايير بيئية وحضارية لهذا الارتباط وفقا لمرحلة الاستراتيجية الأولى غالبا ما تناقش موضوعات التنموية من منظورين: أولها من منظورها الفلسفي، وثانيها من منظورها التنفيذي ويغيب ما بينهما.. وهنا تتشكل الفجوات المنهجية، مما قد يجعل التنمية وهمية أو سطحية أو أشبه ما يكون بعقارية خدمية كامنة وغير متطورة، ثابتة وغير متحولة، برمجية وغير استراتيجية.

هنا فقط يجب أن يقف الرائد الإداري لقياس مدى قدرته على دراسة التنمية قبل إطلاقها والنظر في عواقبها قبل إمكانياتها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.