الدعوة الى اصلاح العربية بادوات غربية: صراع القيم والمفاهيم في عصر الحداثة

0 17

د. عمر زهير علي

إن ما يعيشه المجتمع العربي والإسلامي في وقتنا الحاضر من تيه فكري وفتنة في مفاهيمه وتراثه وحضارته وآدابه ولغته مما لايسع ان ينكره أحد لاسيما في اللغة العربية وآدابها وماتشتمل عليه من تراث فكري وحضاري وعقائدي لأن منزلة اللغة العربية مرتبطة بالقرآن الكريم كتاب الله تعالى المعجز بألفاظه ومعانيه والمتعبد بتلاوته إذ يمثل ذلك التيه بالتيه  الفكري في أمواج فكرية هدامة معاصرة قادمة من الغرب تحت غطاء مسمى ( القراءة الحداثية المعاصرة للفكر العربي والإسلامي ) متخذين من المناهج الغربية الحديثة أداة لهدم هذه اللغة وتقويضها وزرع الريبة والشك تجاهها في قلوب أبنائها وأهلها ومحبيها من الغرب والشرق وهذه الأدوات التي استخدمت معاولاً لهدم اللغة العربية اذ تمثلت القراءة الجديدة للغة تحت عنوان ( إصلاح اللغة العربية ) والخلاص من تعقيداتها وإنغلاقاتها  العقيمة بدعوى عدم مواكبتها لمراحل التطور الفكري والحضاري وقد تبنى هذا المذهب جمع من العرب وممن حُسِبوا على اللغة العربية أذكر منهم على سبيل المثال التونسي ( العفيف الأخضر ) اذ صدرت لهذا المؤلف عن دار الجمل للنشر مجموعة من الكتب دعا من خلالها الثورة على التراث العربي والإسلامي وتقويض المفاهيم بحجة تحرير العقل العربي من إنغلاقاته التي تتمثل بالتحجر والجمود ومن ابرز مؤلفاته ( إصلاح العربية ) و ( إصلاح الإسلام بدراسته وتدريسه بعض الأديان ) و ( من محمد الايمان الى محمد التأريخ ) وتعود الجذور الفكرية والمعرفية لهذه الدعوى الى عصور التخلف الفكري للحضارة الاوربية التي مهد لتلك الحداثة وهذه الثورة جمع من فلاسفتها ، ونحن نعيش في هذا الوقت ثورة مشابهة لتلك الثورة التي تأثر بها حداثيو العرب أمثال العفيف وغيره ممن أرادوا ان يسقطوا المفهوم الغربي وتجربته على الفكر والتراث والحضارة الإسلامية ومن ابرز من تأثروا بهم

  • جورج هيجل :- إذ شن هجوماً قاسياً على الكنيسة ولم يسلم من نقده حتى السيد المسيح ( عليه السلا ) وهو يعلن معارضته لكل عقيدة متحجرة
  • رينيه ديكارت  :- صاحب نظرية الشك  ومؤسس المذهب العقلاني

وإن من ابرز المذاهب الغربية التي استقى الحداثيون منها مادتهم هي ( العدمية ) وقد أهتم هذا المذهب بالعدم وهو الوجه الآخر للوجود ، اذ ترجع الجذور الفكرية لهذا المذهب للإغريق وعقائد النصرانية ، و ( التأويلية ) ومن المسلمات والمناهج الغربية التي اتخذها الحداثيون أداة لقراءة التراث ومحاكمته ، وان مشروع هذا التونسي هو عبارة عن محاولة من مجموعة محاولات نقد التراث وجوهره القرآن الكريم ولغته ، اذ يُسمي هذه اللغة ب ( اللغة الفصامية ) ومن خطط مشروعه التخريبي لهدم اللغة العربية ما يأتي

  • الإعتراف باللحن والدخيل

ومعنى اللحن :- هو الخطأ في الإعراب ، يقال لحن في كلامه بفتح الحاء يُلحن لحناً .

اما الدخيل :- هو في اللغة بصفة عامة : كل لفظ او معنى مأخوذ عن لغة أجنبية .

وإصطلاحاً :- هو اللفظ الأجنبي الذي دخل العربية دون تغيير

  • الإعتراف بالعامية والدعوة الى إحيائها وأقلمتها مع الفصحى بحجة تحجر الفصحى وعدم مواكبتها متغيرات العصر ومن ابرز من دعا الى ذلك كل من المستشرقين ( فلهم سبيتا ) و ( ويليام ويلكوكس )
  • إصدار معجم بفصحى الحياة العامة لكل بلد ومعجم عامي يغطي جميع البلاد العربية ومن استشراء داء الأصولية اللغوية كما يسميها العفيف إن بمجرد التفكير بها يعد محرماً
  • تجديد النحو : ويكون من خلال الآتي

       أ – الإحتفاظ بالصوتيات

      ب- العودة الى اللهجات الشاذة وغير المشهورة

      ج- الغاء الإعراب

       د – تحديث الابجدية  :-  أي ان تكون الابجدية الجديدة وظيفية صوتية ( تكتب كما تنطق ) اذ يقول العفيف ان الابجدية الحاليةغير وظيفية وتبديلها ضروري

       ذ – الرجوع الى المختصرات وإختزال المصطلحات الطويلة الى تراكيب مزجية مثلا ( صلى الله عليه وسلم ) ب ص او صلعم.

أقول ختاماً

إن اللغة العربية لغة حية صالحة لكل زمان ومكان لا تحتاج الى تحديث وهي لغة مرنة غير متحجرة إذ تعد اغنى لغات البشر وثروة لفظية توارثت عبر الأجيال وأدت رسالتها في الحياة عبر العصور على اكمل وجه وأحسن أداء وألبسها القرآن الكريم حلة من القداسة غمرت كل مسلم مهما كان جنسه أو لغته واستوعبت حاجات الأمة الحسية والمعنوية في التعبير عن علومها وآدابها ومطالبها وآمالها وهي على اتم إستعداد لإن تتسع لاكثر من قبل في تعبيرها جميع جزئيات ومجالات الحياة وقد اختار الله تعالى لغة العرب لكي تكون لساناً لدينه وقرآناً وسنةً وشريعةً وما اختيارها الا لإنها أغنى اللغات اتساعاً وأحكمها بياناً وأقواها دليلاً وبرهاناً ، قال تعالى (( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين )) سورة الشعراء : الآيات ( ١٩٢ – ١٩٥ )

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.