التوازنات الاستراتيجية في الفكر السياسي الغربي تجاه منطقة الشرق الأوسط
د. جمال الهاشمي
يعتبر الموروث السياسي الغربي موروث تجريبي منذ بداية الثورات الأوربية والعقل النخبوي يعمل على تأسيس اثنتى عشرة قاعدة استراتيجية:
القاعدة الأولى: آلية تأسيس وبناء شكل النظام القادر على تعميق مفهوم العقلانية والهوية الوطنية القومية والثقافية واللغوية ومفهوم الحقوق والعدالة والمساواة والقانونية لمواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية، وتحصين المجتمعات من التدخل الإسلامي العثماني.
القاعدة الثانية: الآلية الاستراتيجية الدولية الموجهة نحو منطقة العالم الإسلامي ومنطقة العالم الثالث لاحتواء ومواجهة المتغيرات الدولية العالمية والتنافس الأوربي الأوربي في مناطق الاستعمار عبر بناء الاحلاف والاتفاقيات مع دول المنطقة وكانت التسليح وبناء شخصية المحارب العربي والهندي هي أول معالم التوجه البريطاني والفرنسي لمواجهة المقاومة المحلية.
القاعدة الثالثة: الآلية الاقتصادية وهي القوة المعرفية والمادية التي تتميز بها الدول المتقدمة وتمنحها القدرة في السيطرة على مفاهيم وأدوات التنمية والصناعة والتجارة والتحكم الاستراتيجي بالاقتصاد العالمي، فمتى شاءت كان بيدها قرارات استخراج الثروات الطبيعية في دول العالم الثالث او التوقف عن ذلك، وهي الآلية التي مارستها ووظيفت الدول لحماية الشركات مقابل استخراج النفط، ومن ثم أصبحت هذه الشركات هي الحاكم الفعلي في التنمية والمتحكمة بقرارات الدولة المتربعة فيها.
القاعدة الرابعة: بناء قاعدة بيانات متخصصة عن هذه المناطق الاستراتيجية من خلال الرحلات والاستشراق والسياحة وتأسيس الجامعات والمعاهد اللغوية والمراكز البحثية، وقد صنفت ضمن عدة مداخل/ العقائدية، والتاريخية، والقبلية، والعقائدية، والاجتماعية، والنسوية، والاقتصادية، وهو نفس النموذج الصيني الحديث والناعم لدراسة طبيعة واختلاف بحسب التطورات العلمية والتاريخية.
القاعدة الخامسة: هي استراتيجية بناء النموذج المتعدد الوظائف على المستوى نموذج الفرد الليبرالي والمجتمع الثوري، والسياسة التداولية كأنموذج وقوى قطبية ثقافية ناعمة ومؤثرة في العالم، وهي النماذج التي أصبحت ذات تحركات شعبية وقيمة ثقافية عالمية دفعت بالشعوب نحو رفع سقف المطالب من حكوماتها بإعادة توزيع الثروة والعدالة والحكم.
القاعدة السادسة: بناء التحالفات العسكرية وتأسيس القواعد العسكرية، وقد تم بالفعل اختراق العقلية العسكرية العربية وتوظيفها بما يخدم التوجهات الدولية في المنطقة. وتوظيفها من أجل توسيع الفجوة بين النظام والمجتمع، عبر محاربة الإرهاب والتوجهات الإسلامية الدينية، وقد أدت هذه الآلية إلى تقوية المعارضة الدينية داخل المجتمعات وأن النظام السياسي والمؤسسات العسكرية يحاربون الإسلام تحت مظلة الإرهاب.
القاعدة الثامنة: استراتيجية توظيف التعدد الديني وذلك بتصنيفها الى معتقدات اجتماعية مسالمة، ومعتقدات ثورية، ومعتقدات سلطوية، ومعتقدات عقلانية، ومعتقدات إرهابية، واستغلال وظيفة التكفير لتوسع الفجوة بين التيارات الدينية، وقد تم بالفعل تأسيس مؤتمرات إسلامية مختلفة بقرارات سياسية وتزعمات عربية كمنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي ومؤتمرات أخرى في أوزبكستان، وخلق نماذج إسلامية متعددة كالنموذج الأيغوري وتتبناه الصين، والنموذج الديني الصوفي وتتبناه أوزبكستان، والنموذج الديني الأمريكي وهو نموذج اختياري مدعوم كنموذج غولن التركي والطريقة النقبشندية، والنموذج الفرنسي للإسلام العلماني، وهو نموذج قريب من النموذج الأمريكي لكنه ذو طبيعة علمانية أكثر منه ذو طبيعة اعتزالية.
القاعدة التاسعة: الاستراتيجية المزدوجة، دعم المعارضة الدينية والدفاع عنها تحت مفاهيم الحرية الدينية والديمقراطية، ثم الانتقال بعد تقويتها الى الاتجاه المعاكس بدعم السلطة السياسة وخلق نموذج الصراع باستخدام العنف والقوة والسجن والاغتيالات، وهو ما يدفع بالاتجاه الديني الى المعاملة بالمثل ويتجزأ المجتمع بين التناقضات والجهويات .. وهو ما يمهد لوجود الدويلات داخل الدولة.
القاعدة العاشرة: الصراع الإقليمي الطائفي كخلق نماذج الصراع بين السني والشيعي، ومن ثم الصراع الشيعي الشيعي كالصراع داخل العراق بين تيارات شيعية متناقضة، وخلق صراعات عقائدية بين التيارات السنية كالصراع الحاصل بين السلفية والإخوان والسرورية ، بل وتوسع الصراع بين تيارات السلفية وبعضها، وهذا يؤسس لأيدلوجية استغلال الطائفية بإمكانيات وأدوات القوى السياسية، والغاية منه استنزاف القوى الإقليمية واضعاف شرعيتها من خلال اضعاف المؤسسات الخدمية وازدياد الفقر والبطالة.
القاعدة الحادية عشر: خلق ثقافة التنافس على السلطة، وذلك عبر دعم العمليات الديمقراطية والثورات والتنظيمات المدنية والحقوقية ومن جهة أخرى اختراق النظام السياسي وخلق نماذج وتيارات داخله لتوسيع الفجوة بين الطموحين على السلطة وهي الألية المناسبة لتفكيك القوى العسكرية وتدميرها ببعضها وتقسيمها كما حدث في العراق واليمن وليبيا وسوريا وقريبا السعودية وتركيا وإيران وباكستان ومصر ودول شمال المغرب بنفس الآليات القهرية.
القاعدة الثانية عشرة: دعم المعارضة الخارجية والتكتلات المعارضة في الخارج وتهيئتها للوصول الى الحكم والسلطة وتبني النماذج الذي عجزت عنه النظم القائمة ولكن ضمن دويلات وجهويات متجزأة من الدولة على غرار عودة التيارات المعارضة في العراق وتونس ومن قبل الخميني في إيران وعودة البرادعي من قبل إلى مصر.
القواعد غير مرتبة ترتيبا زمنيا وغير متوسع فيها مع إظهار النماذج ولكن.. ما الآليات الأخرى التي يمكن توظيفها في مستقبل التدخل السياسي الغربي في المنطقة .. إذا تتوزع بين أكثر من 24 استراتيجية تتقارب عبر مفاهيمها الإجرائية مع الواقع.