التسارع العربي نحو السلام بين الظاهرة والحقيقة

0 24

د. جمال الهاشمي

الكثير من النظم العربية تعاني من أزمة الرؤية وخلل التفكير الاستراتيجي، ويظهر ذلك على قراراتها المتأرجحة والمتقلبة والمفاجئة، وأكثر قرارتها ظواهر إعلامية لا يرتبط بالعمق الكامن المتوخى من الإصدار..

وغالبا ما تكون القرارات وإثارة الضجة الإعلامية حولها من أجل توجيه إشارات إلى القوى العالمية المؤثرة أننا على الطريق المشترك بيننا.. ويمكن تفسير ذلك بحالتين:

الحالة الأولى: القلق النفسي الذي يسيطر على صانع القرار السياسي ويظهر ذلك من خلال لقاءاته المتكررة وخطاباته وزياراته المتعددة ..

الحالة الثانية: الخوف من المجهول مما يعني عدم علمه بما يدور وراء الكواليس..

الحالة الثالثة: التركيز على الحملات الإعلامية الإلكترونية والصحفية..

وفي الحالات الثلاث فإن هذه الظواهر تمنح الباحث المتتبع حقلا معرفيا وليس بيانيا لمعرفة واقع الدولة اجتماعيا وأمنيا وسياسيا..

بينما الأمر مفتوح جدا ومكشوف إذا لم يعد للحاكم العربي أسرار  أمنية واستراتيجية بقدر ما يمتلك الأدوات التي يمارسها وفق ما يخطط له .. إلى حين انتهاء مهمته ..

إن مثل هذه المقالات لا توجه نحو جهة معينة إذ أنه إذا تحددت الحالات بطل الاسقاط .. وقد يسقطه الباحث على الآخر لعدم وعيه بحقيقة نفسه، والوعي بالذات هو مقدمة أساسية لمفهوم القيادة السياسية.

كما أن الكتابات الصحفية: إما على أمرين كتابة إخبارية فذلك يساعدنا في معرفة حاضرنا ولكنه مطلقا لا يفدنا في معرفة مستقبلنا إذ ذلك يحتاج إلى أدوات أخرى صعبة وأكثر أهمية. وإما أن تكون كتابات موجهة فذلك يعطل البيانات ويوجهه بحسب النفسيات المرضى بهدف التعبئة الشعبية مع الحكام أو ضدها.. وفي هذه الحالة يكون عدوا للوعي الاجتماعي  ومضللا له ..

أما الكتابات المتجردة فهي الكتابات الموضوعية فتختلف عن ذلك كله لأنها تستعى لاستنهاض الوعي وإعادة اعتماله في الواقع نحو المستقبل.

إن التسارع العربي نحو السلام دون وعي بخمسين سنة قادمة مع تصاعد الظواهر الثورية في أوروبا يؤكد على أن التفكير السياسي وذهنية العقل الاستراتيجي معطلة .. ليس انطلاقا من رذيلة الانتقاد ولكن من فضيلة النقد والنصح والاهتمام.

إن الدولة اليهودية تدرك جيدا أن أمريكا وأوروبا ستشهد تحولات جديدة معادية وأن نعيم الحماية والمساعدات التي كانت تتمتع به ربما يقلب الطاولة مرة أخرى ..

إن النظم الغربية تدرك أهمية القيم العقائدية في السيطرة على المجتمعات وأن تصاعد نسبة المتدينون في ازدياد مقارنة بالسنوات السابقة.. وتدرك أيضا أن الحرب على هذه القيم يوسع من دائرة الثورة. . وقياس الظواهر الاجتماعية ذو قيمة نوعية وليست كمية.. وهو ما يؤكد لنا بأن القيم النوعية تتكثف في ازدياد يوميا وهو ما يعني أن العالم الغربي سيشهد تحولا في قيمه .. وأن المؤسسات ستتقارب معها .. ولهذا كانت الانتخابات دائما وسيلة من وسائل التغيير للموافقة والمقاربة مع تطلعات الجماهير الديمقراطية ..

حيث تعتبر الديمقراطية من أهم الأدوات الاستقرائية التي تبرز توجهات الشعوب بعكس الديمقراطية العربية التي لا يمكن الاعتماد عليها في قياسات الرأي .. وكذلك الصحف الغربية من أهم البيانات التي تحدد مسارات التحول الغربي لأن الفكر الصحفي يتعايش مع المجتمع ويعبر عن تطلعات شعبه. ويكون من أهم الأدوات البيانية لتوسيع معارف السلطة .

إن السياسة العشوائية العربية يؤكد لنا أنها لا تبنى على قواعد معرفية سابقة لإنتاج القرار وتعيش الآمال والأمنيات أكثر من الواقع .. وكلما أصدرت قرارات غير مدروسة  تدخل في أزمة  أخرى، وكلما صعدت إعلاميا سقطت شعبيا وعالميا ومهما حاولت الترقيع فإنها تخسر العالمي الخارجي والداخلي.. كما ان القوة والقمع لن يكون إلا قوة للتدخلات الخارجية واختراق سيادة الدولة .

يشبه لي ان بيئة النظم السياسية العالمية حياتها كبيئة الضباع .. كلما سلمت من العدو ونقص الغذاء أكلت بعضها.. وهذه الطبيعة سائدة في المجتمعات وبحسب القاعدة الماوردية  “الشعوب على دين حكمها” وهذه القاعدة صحيحة إذا تحدثنا عن الشعوب التبعية وليست النخب المنافسة .. وتسمى الدهماء وقد تسمى عند الكثير من النخب المؤثرة في التغييرات السياسية  بالعوام ..

  إن اختلاق العدو من أهم أدوات التعبئة الجماهيرية. وتماسكها عندما تكون قوية وليس عندما تكون مضطربة.. كما إن النظم التي تفتقر لحاضنة بيئية مؤثرة لن تستمر مهما كانت قوتها العسكرية والاستخباراتية ، وإذا نظرنا الى فنزويلا وكوريا الشمالية فإن استمرار نظمها يرجع إلى وعيها بقرارات الحرب وأنه أخر الوسائل للدفاع عن النفس وهو ما تدركه الدول المعادية لها وتثمن ذلك وتبقى الحروب الباردة بينهما هو الأساس كما أن الصين العظمى وروسيا يدركان ما معنى الحرب لهذا فإنهما يحاربان بالآخر بقدر ما يحفظ لهما مصالحهما أو يضاعفها.

إن الدولة اليهودية من أكثر دول العالم دراسة للتحولات العالمية ومن أكثرها قدرة على إدارة الأزمات ليس للدفاع عن الآخر وإنما للدفاع عن أمنها ولتحقيق مصالحها.. وكونها تدرك حجم التغيرات الاجتماعية في العالم الغربي وهذا من مؤشرات التحذير الذي يدركه العقل السياسي اليهودي الذي يوظف المظلومية ككثير من المعتقدات الإسلامية لتعبئة المجتمعات اليهودية وخلق الأعداء المتخيلين كضرورة من ضرورات التعبئة.

.. وفي المقابل فإن الصراع الاجتماعي العربي سيحقق لها الأمن والتنمية والرخاء وستكون القاعدة الجديدة للسوق الاقتصادي العالمي الذي يعني نهاية أسواق الخليج العملاقة.. وتحولها إلى إسرائيل. المركز العالمي الجديد في منطقة الشرق الأوسط ..  ومن جهة أخرى فإن صياغة الصراعات الصليبية بشقيها المحلي والحضاري قد تتجدد ..والفكر التاريخي لا يموت لأن حضور البيئات المناسبة تهيئ له المجال.

ولمعرفة السيكولوجية النفسية لليهودية فقد كانت إيران الشهنشاهية الدولة الحليفة لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط والمعادية للعرب وعندما بدأت الثورات الشعبية تخلت عنها معلنة نهاية مرحلة الملكية التي كانت تركز فقط على إعادة إمبراطورية الفرس التاريخية .

.. ثم مع صعود الدولة الإسلامية الخمينية بدأ التقارب السري مع الدولة اليهودية في حربها على العراق .. ومونتها بمضادات الطيران لمواجهة الطلعات الجوية العراقية، وفي المقابل كانت أمريكا تبيع الطائرات على العراق بأموال الخليج .. ما لم يدركه العقل السياسي العربي أن صناعة  السلام يكون أولا من الداخل  وبالانفتاح على دول الجوار بأدوات استراتيجية متعددة،  وما القوة العسكرية إلا آخر هذه الأدوات .. اذا اكتفي بها عن غيرها تحولت القوة إلى أزمة.

إن حرب نظام صدام على الأكراد ودخوله في حروب إقليمية والضغوط الأمنية  المحلية خارج نطاق القيم العادلة والقيم المجتمعية أسقط العراق في حروب طائفية وبتحالف دولي.. إذ كان التحالف الدولي وخصوصا العربي على العراق قد وسع الشقاق مع دول الجوار وانعدام الثقة ..وهو المكسب الرئيس من التحالف العربي على العراق وهو ما نجنيه اليوم ..

  وبنفس مسارات التجربة سقطت سوريا وليبيا واليمن ، وتتجدد السياقات بألوان الحرباء ولكن مضمونها هو نفسه .. وهذا ما يؤكد لنا بأن العقل الساسي العربي يتعايش مع الأولوان أو الظواهر التي لم تعد ظواهر وليس مع الحقائق الكامنة وراء الألوان أو تلك الظواهر.

.. وأن مسارات الحرب على الإسلام تحت مسميات الإرهاب بدأ بعد معارك خاطئة وظفت سياسيا في أفغانستان لمواجهة الشيوعية بموارد عربية بشرية ومادية، وقد نقلها من مسارات الصراع مع الآخر الى الصراع مع الذات، وكما استثمرت إيران فراغ الساحة الأفغانية لصالحها فقد أيضا ملئت الساحات الفارغة في كل من اليمن وسوريا وفلسطين وما على العرب إلا تجييش النفقات العربية خلال معايشة الظاهرة واهمال المستقبل .. وهذا يرجع إلى أن القرارات العربية قرارات ارتجالية وليست استراتيجية وما تزال نفس السياسات..رغم محاولات الإصلاح. والتسرع في إصدار القرارات والإبطاء من معضلات الفكري السياسي العربي على جميع مستوياته التنظيمية والسياسية وحتى الاجتماعية .. إذا ن غياب الرؤية المنهجية التي تحدد ما يجب القيام به لمواجهة ما يتوقع حضوره جعل العقل العربي يعيش مرحلة الاستجمام حتى إذا قرعت الخطوب تخبط خبط عشواء .. يخطئ أكثر مما يصيب .. والانفتاح غالبا للدول على الدول والثقافات على بعضها من القرارات الاستراتيجية .. وليس من متطلبات الضغوط الدولية.. إذا يتطلب الأمر قبل الإعلان تهيئة المجتمعات وتحصينها بقيمها الحضارية .. لتؤثر لا أن تتأثر وتصدر لا ان تستوفد.

وهذه من القرارات التي مارستها اليابان والصين واستطاعتا رغم حداثتهما المعاصرة من التأثير على الثقافات الغربية لمن يتتبع بعمق عدد حالات الزواج المرتفعة .

كل هذا المعوقات وغيره من الأسباب وسع  دائرة الصراع بين السياسي الديني والديني – الديني وكأننا على أعتاب حروب استنزاف دينية شبيهة بالتجربة الأوربية.. وستدار تلك الدول السياسية والإثنيات والمعتقدات بقوى خارجية.. إلا أن يشاء الله أمرا  كان مفعولا..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.