الاحتجاجات والأزمة في إيران :تجلّيات الثيوقراط الشيعي في الساحة السياسيّة المُعاصرة”
الاحتجاجات والأزمة في إيران :تجلّيات الثيوقراط الشيعي في الساحة السياسيّة المُعاصرة”
The Protests and the Crisis in Iran: Manifestations of the Shiite Theocrats in the Contemporary Political Arena
اسم الباحث: ماهر لطيف meher ltaif
التخصّص العلمي: دراسات حضارية اختصاص حضارة حديثة Civilized Studies Researcher
capomaher2016@gmail.com
مُلخّص:
يدرس هذا البحث أزمة النظام الإيراني المُتمثّلة في “ولاية الفقيه الإسلامية” وكيفية امتدادها في أكثر من بلد تحت ما يُسمّى بمبدأ تصدير الثورة خاصّة بعد الربيع العربي الذّي كشف عن ضُعف وهشاشة الدول العربية وعجزها عن فرض سيادتها على مواطنيها، وأثر التشيّع الولايتي على السياسات الداخلية والخارجية لإيران.
وإنّ تخيّرنا لهذا المبحث المُثير للخلاف والجدل اليوم في التاريخ السياسي المُعاصر يسعى إلى بلوغ جملة من الأهداف أهمّها:
ـ دراسة مُقارنية لحقبتين مُختلفتين للثيوقراط الشّيعي، أوّلها عصر الازدهار أيّام المُرشد الخميني وثانيها بداية تراجع الأيديولوجيا الإسلامية في عهد المُرشد علي خامنئي.
ـ دراسة الفكر الولايتي الشّيعي حيث مثّلت الطائفة الاماميّة أحد تجلّيات الثيوقراط السياسي الأكثر تأثيرا في الساحة السياسية المعاصرة.
ـ تناول قضايا ذات صلة بإشكالية بحثنا من قبيل انتشار التعصّب والتكفير والتطرّف المذهبي، والطائفية الدينية والسياسيّة، والعجز عن المُلائمة بين مبادئ الحُكومة الإسلامية ودُستور الجُمهورية المدنية.
ـ دراسة إمكانية التعايش وحُدودها في ظلّ هيمنة الخطاب الولايتي.
ولمُعالجة هذه القضايا اعتمدنا المنهج النقدي لتحليل القضايا قصد ربط الأطروحات النظرية بالواقع العملي ومقارنتها المعيش، وقد اعتمدنا على 3 عناصر فضلا عن مُقدّمة وخاتمة:
1ـ دوافع الاحتجاجات الإيرانية:
أـ الدوافع الاقتصادية:
ب ـ انتشار الفساد وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات:
ج ـ سياسة التمييز ضد الأقليات:
د ـ تزايد الضغوط الخارجية على النظام الإيراني:
2ـ الثيوقراط الشيعي من خلال نظرية ولاية الفقيه وتجلياته على السياسة الداخلية والخارجية:
أـ الروافد الغربية والجذور الفلسفية لنظرية ولاية الفقيه:
ب ـ تأثير ولاية الفقيه على السياسة الداخلية في إيران:
ج ـ تأثير ولاية الفقيه على السياسة الخارجية:
3ـ انعكاسات الأزمة على شرعية أيديولوجيا ولاية الفقيه:
الكلمات المفتاحية: إيران/ الولي الفقيه/ الثيوقراط الشيعي/الدستور الإيراني/ السياسة الداخلية والخارجية/الفلسفة الخمينية.
Abstract :
This research studies the Iranian regime’s crisis represented in the “Islamic guardianship of the jurist” and how it extended in more than one country under the so-called principle of exporting the revolution, especially after the Arab Spring, which revealed the weakness and fragility of the Arab countries and their inability to impose their sovereignty over their citizens, and the impact of state Shiism on domestic and foreign policies. To Iran.
Our choice of this controversial and controversial topic today in contemporary political history seeks to achieve a number of goals, the most important of which are:
A comparative study of two different eras for the Shiite theocrats, the first of which is the era of prosperity during the days of the Khomeini guide, and the second is the beginning of the decline of Islamic ideology during the era of Supreme Leader Ali Khamenei.
– The study of the Shiite wilayat thought, where the Imamate sect represented one of the most influential political manifestations of theocracy in the contemporary political arena.
– Addressing issues related to the problem of our research, such as the spread of intolerance, unbelief, sectarian extremism, religious and political sectarianism, and the inability to harmonize the principles of Islamic government with the constitution of the civil republic.
Studying the possibility of coexistence and its limits under the hegemony of the state discourse.
To deal with these issues, we adopted the critical approach to analyze the issues in order to link the theoretical theses with the practical reality and compare them with living. We have relied on 3 elements in addition to an introduction and conclusion.
1- The motives of the Iranian protests:
A- Economic motives:
B- The spread of corruption and the absence of social justice in the distribution of wealth:
C- The policy of discrimination against minorities:
D- Increasing external pressure on the Iranian regime:
2- The Shiite theocracy through the theory of velayat-e faqih and its manifestations on domestic and foreign policy:
A The Western tributaries and the philosophical roots of the theory of velayat-e faqih:
B- The impact of Wilayat al-Faqih on domestic politics in Iran:
C- The impact of Wilayat al-Faqih on foreign policy:
3- The implications of the crisis on the legitimacy of the ideology of Wilayat al-Faqih
Keywords : Iran / Wali al-Faqih / Shiite theocracy / Iranian constitution / domestic and foreign policy / Khomeinist philosophy.
مقدّمة:
شهدت الجُمهورية الإسلاميّة الإيرانية خلال شهر نُوفمبر 2019 مُظاهرات عنيفة ودموية، انطلقت من قرية “سرجان” في محافظة “كرمان” وسط البلاد، هاجم على إثرها المُحتجّون مُستودعا لتخزين الوقود في المدينة وحاولوا إضرام النار فيه.
وانتقلت عدوى الاحتجاجات سريعا إلى مدن أخرى ك”برجند” و”بندر عبّاس” و”الأهواز” و”عبدان” و”خرمشهر” مرورا بمدينة “مشهد” المدينة المُقدّسة والتّي تُعتبر أحد أهمّ معاقل النظام وصولا إلى العاصمة “طهران”، احتجاجا على قرار الحُكومة القاضي برفع سعر الوقود.
انطلقت الاحتجاجات لأسباب اقتصادية حمّل فيها المُتظاهرون النظام المسؤولية عنها، لهذا سُرعان ما تحوّلت الشعارات من طبيعتها الاقتصادية إلى المُناداة بإسقاط نظام الولي الفقيه الذّي حكم البلاد لأكثر من 40 عاما.وقد سلُّطت الضوء على جوهر أزمة الدولة الإيرانية المُتمثّلة في فشل السلطة الحاكمة في سدّ احتياجات المواطن الإيراني وانعكاسات سياسات إيران الخارجية المُمتدّة في أكثر من بلد(سوريا، العراق، لبنان، البحرين، اليمن) وتكلفتها الباهضة على مُستوى معيشة المواطن الإيراني وعلى حُقوقه.
والحقيقة أنّ إيران عاشت أزمات مُتعدّدة منذ بداية التسعينات مع تشكّل التيار الإصلاحي المُعارض لسياسة المحافظين ـ الشقّ التابع للمُرشد الأعلى خامنئي ـ احتجاجا على قوانين أصدرها مجلس الشُورى تُقيّد حرّية الصحافة والتعبير في البلاد. واتّسعت أزمة النظام الحاكم مع اندلاع الاحتجاجات الطُلاّبية عام 2009 المعروفة “بالحركة الخضراء” رفضا لسياسات الرئيس نجاد، واستنكارا لدوره في تزوير الانتخابات الرئاسية وتبنيه سياسة إقصاء المُعارضين، وقد اتّخذت الاحتجاجات حينها طابعا سياسيا بالأساس وقادتها بعض الرُموز السياسية المعروفة مثل موسوي وكروبي، لكنّ النظام نجح في قمعها.
وقد توضّحت الأزمة السياسية أكثر مع اندلاع احتجاجات ديسمبر 2017 التّي خرجت رفضا لسياسات النظام الداخلية وفشل منوال التنمية فضلا عن السياسات الخارجية التّي تستهلك آلاف المليارات من ميزانيتها انتصارا لمشروعها الوهمي تصدير مبادئ الثورة الإسلامية، ليسقط هذا المشروع تحت أقدام الفقراء والمُهمّشين من عامّة الشعب الإيراني وتسقط معه ما تبقّى من شرعية الأيديولوجيا الحاكمة التّي منعت كلّ مُحاولة إصلاحية.
لهذا فلا غرابة أن تُسلّط احتجاجات 2019 الضوء من جديد على ثلاث قضايا رئيسية: أوّلها تدهور الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة وثانيها إسقاط النظام وعلى رأسه الهرمي سُلطة الولي الفقيه وثالثها رفض السياسات الخارجية التّي تحاول إيران من خلالها تصدير مشروعها القائم على الثورة الإسلامية الشيعية العابر للأوطان والحدود لتغطية فشلها الداخلي.
وتبعا لذلك تُحاول هذه الدراسة أن تُسلّط الضوء على تداعيات هذه الاحتجاجات وتأثيراتها على النظام الإيراني وما رافقها من ظروف وعوامل أسهمت في اندلاع شرارتها، دون أن ننسى التركيز على طبيعة الأزمة التّي يمرّ بها النظام وتوسّع حركات التمرّد الداخلية والخارجية التّي يُواجهها منذ التسعينات.
فماهي مظاهر الأزمة في إيران؟، وماهي دوافع الاحتجاجات المُتكرّرة؟ وماهي تجلّيات الثيوقراط الشيعي على السياسة الداخلية والخارجية لإيران؟
1ـ الاحتجاجات الإيرانية وملامح الأزمة في إيران:
أظهرت الاحتجاجات الإيرانية نوفمبر 2019 حجم الغضب الشعبي الإيراني المُتزايد عاما بعد عام يظهر ذلك من خلال اتساع رُقعتها لتشمل أكثر من 60 مدينة إيرانية وانتشارها بسرعة قياسية من الهوامش والأطراف إلى مراكز المدن الكُبرى، ولتشمل أيضا جميع طبقات الشعب من عُمّال وفلاّحين ومُوظّفين وطلبة. تميّزت هذه المظاهرات بعفويتها وبعدم تحزّبها بمعنى أنّها غير محسوبة لا على التيّار المحافظ ولا على التيّار الإصلاحي، أيضا وحّدت هذه الاحتجاجات كافّة أطياف الشعب الإيراني مُتجاوزة العرقيات والأقليات.
البداية كانت مع قضية رفع أسعار البنزين لكنّها تحوّلت سريعا إلى مطلب إسقاط النظام حيث رفع المُحتجّون شعارات من قبيل “الموت لخامنئي” و”يسقط النظام” في إشارة إلى فشل نظام ولاية الفقيه الذّي لم يعد بإمكانه الاختباء وراء الحجاب الدّيني وهو يقف على تركة كبيرة من الفساد والمحسوبية والديكتاتورية، إضافة إلى أزمة قاتلة يعيشها في مُختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أيضا كشفت هذه المظاهرات عن رفض الشارع الإيراني لسياسات بلاده الخارجية بدعمها الكبير للجيوش الموازية التّي أنشأتها في المنطقة على حساب المواطن الإيراني من خلال شعارات ” لا سوريا ولا لبنان روحي فداء إيران” و”إيران أوّلا”، مُطالبين القيادة الإيرانية بالاهتمام بالشأن الداخلي.
وقد تحوّلت الاحتجاجات من طابعها السلمي إلى براديغم العنف حيث أقدم المُحتجّون على حرق عدة بنوك في طهران وأصفهان، في مُؤشّر جديد على تصاعد حدّة الاحتجاجات المُنادية بإسقاط النظام ونهجه الذّي يعتمد على جيوب المُواطنين لسدّ العجز الحاصل من الفساد المُستشري وتخصيص الجزء الأكبر من المُوازنة للشؤون العسكرية والتدخل في شؤون دول الجوار، كما تمّ حرق العديد من المراكز الحُكومية وسيارات قُوات الأمن.
وكما جرت العادة وصف المُرشد الأعلى للثورة الإسلامية المُحتجّين بمُثيري الشّغب وبالمُخرّبين وبالكفرة وعُملاء الدول الأجنبية (في إشارة إلى أمريكا وإسرائيل)، مُتّهما في الآن نفسه أنصار رضا بهلوي ومُنظّمة مُجاهدي خلق المعارضة بإشعال فتيل الأزمة. وهو ضوء أخضر لقُوى الأمن بقمع الاحتجاجات، التّي استخدمت فيها الرصاص الحيّ واعتقلت مئات المتظاهرين وحجبت مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد كشف هذا التعامل الأمني عن اتّساع الهُوّة بين الشعب والطبقة الحاكمة وعن أزمة عميقة يعيشها النظام الذّي مضى قُدما في قرار رفع أسعار الوقود وفي انتهاج سياسة القمع إلى حيث اللاّعودة.
ويمكن تحليل دوافع الاحتجاجات من خلال العناصر التالية:
أـ الدوافع الاقتصادية:
جاءت المظاهرات الإيرانية تعبيرا عن رفض الشارع للسياسات الخاطئة وقد تقدّم العامل الاقتصادي الأسباب، حيث تعيش البلاد تدنّي في المُستوى المعيشي جرّاء ارتفاع نسبة البطالة إلى 15 بالمائة وغياب الخدمات الأساسية وعجز المُوازنة التّي تعتمد على مبيعات النفط، رافق ذلك انهيار العُملة الوطنية “التُومان” الذّي فقد قيمته خلال الأشهر الماضية مع ارتفاع نسبة التضخّم لمُستويات غير مسبوقة (أكثر من 50 بالمائة).
“وقد أظهرت ميزانية عام 2018 في جانب منها العبء الذّي ستفرضه حكومة روحاني على المواطن وفي مُقدّمتها ارتفاع الأسعار الذّي سيُصاحب هذه الجوانب، ومن أهمّها رفع سعر البنزين بنسبة 50 بالمائة والديزل بنسبة 33 بالمائة، ورفع الدّعم النقدي عن 34 مليون إيراني لمُعالجة المُوازنة، وجدير بالذّكر أنّ عدد الإيرانيين الذّين يعيشون في فقر مطلق يتراوح ما بين 10 و12 مليون أي نحو 15بالمئة من الشّعب، وفي حال رفع الدعم يُتوقّع وُصول عدد الفُقراء في إيران إلى 54 مليون إيراني أيّ أكثر من 67 بالمائة من الشعب([1]).
وتوقّع صُندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 9 بالمائة في 2019 ويعقبه ركود سنة 2020 خاصة بعد العُقوبات الأمريكية الأخيرة.
ب ـ انتشار الفساد وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات:
تُعاني إيران من تفشيّ ظاهرة الفساد مُنذ سنوات طويلة رغم قيام الثورة الإسلامية على شعار مكافحة الفساد وترسيخ العدالة الاجتماعية، لذلك حضي موضوع الفساد بأهمية قُصوى في الداخل الإيراني، وقد أحدث ضجة كبيرة وجدلا واسعا بسبب تورّط شخصيات حُكومية بارزة وتيّارات سياسية ورٌموز دينية.
وتتّفق المصادر الدولية على أنّ سجل الفساد في إيران قد ازداد سوءا في السنوات الأخيرة، إذ صنّفت مُنظّمة الشفافية الدولية إيران في المرتبة 131 من أصل 176 دولة خلال عام 2018.
ويعود انتشار الفساد إلى عدّة أسباب منها:
ـ القُصور الحاصل في منظومة إيران الاقتصادية القائمة على الاقتصاد النفطي الريعي وأحاديّة الدخل الذّي نتج عنه ضُعف الصناعة والاستثمارات وغياب القُدرة التنافسية ما اضطرّ أصحاب المناصب إلى اختلاس الأموال والتهرّب الضريبي.
ـ الثغرات العديدة الموجودة في القانون الإيراني وغياب العُقوبات الرادعة.
ـ أسباب تتعلّق بالطابع الأيديولوجي للنظام الحاكم: رغم تأكيد النظام الثوري الإسلامي على ضرورة مُحاربة الفساد واجتثاثه وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحقوق والحُرّيات إلاّ أنّه على أرض الواقع يستخدم ثروات البلاد من أجل حشد الدعم الأيديولوجي له من خلال تقديم تسهيلات وامتيازات اقتصادية كبيرة لبعض المُؤسّسات والرُموز الثورية لضمان الولاء والطاعة، ما يعني أنّ النظام يسمح بالفساد للموالين له ويحميهم من الملاحقة القانونية ومن بين هؤلاء نذكر “الحرس الثوري” و”فيلق القدس” و”جهاز الاستخبارات العامّة” و”مُؤسّسة الباسيج” و”مُؤسّسة قُدس رضوي” و”خاتم الأنبياء” و”الشّهيد” و”مُؤسّسة إمداد” وغيرها من المُؤسّسات المُرتبطة بمنظومة الولي الفقيه التّي يُمثّلها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.
وقد أدّت هذه السياسات إلى انهيار القطاع المصرفي “ففي عام 2017 وحده انهارت خمسة مصارف وصناديق استثمارية، ممّا عصف بمُدّخرات ما لا يقل عن 2،5 مليون أسرة من الطبقة المُتوسّطة والطبقة دون المُتوسّطة. حيث أنّ المُؤسّسات المُنهارة كان يُسيطر عليها رجال الملاّلي وكبار جنرالات الحرس الثوري، فإنّ فشل هذه المُؤسّسات يُعتبر فشلا للنظام الحاكم ذاته، وأدّى انهيار صناديق المعاشات بما في ذلك معاشات المُعلّمين إلى تفاقم آثار فضائح الفساد، ومن المُثير للاهتمام أنّه لم يتم اعتقال أحد”.([2])
ج ـ سياسة التمييز ضد الأقليات:
يتميّز المُجتمع الإيراني بتعدّد العرقيّات وتنوّعها، ويُعتبر الفرس والأذريون والجيلاك والأكراد والبلوش والتركمان من أهمّ المُكوّنات العرقية في هذا البلد. ويُشكّل الفرس 51 بالمائة من السُكّان البالغ عددهم قرابة 70 مليون نسمة، في حين يُشكّل الأكراد 24 بالمائة والجيلاك المازندارنيون 8 بالمائة والأذريون 7 بالمائة واللور 7 بالمائة، فيما يمثل العرب والبلوش والتركمان 2 بالمائة من مجموع السكان. بطبيعة الحال تجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذه الأرقام ليست ثابتة، قد تزيد أو تنقصُ حسب مصادر بعض هذه القوميات التّي تدّعي أرقاما أعلى من تلك الأرقام الرسمية.
ويتميّز المشهد الإيراني بتداخل ما بين المذهبية والقومية كما أنّ امتداداتها الجغرافية الإقليمية تُضيف إليها بعدا إقليميا ممّا يجعل الأمر غاية في التعقيد، فمُعظم الأقليات العرقية في إيران تتركّز في المناطق الحدودية، حيث نجد العرب في الجنوب والبلوش في الشرق والتركمان في الشمال الشرقي والأذريون في الشمال الغربي والوسط والأكراد في الغرب. وإذا تمعّنا أكثر الخريطة العرقية الإيرانية، نلاحظ أنّ لهذه العرقيات امتداداتها في الدول المجاورة، فالعرب يمتدّون إلى العراق ودول الخليج في الجنوب، وللبلوش امتدادهم في إقليم بلوشستان في باكستان وأفغانستان، ويجاور التركمان تركمنستان، ويقطن الأذريون أذربيجان، بينما يُمثّل الأكراد جزءا من الحُلم الكردي الكبير المُتمثّل في إقامة دولة كُردية تظمّ جزءا من تركيا وكردستان العراق وسوريا.[3]
ويُمثّل العامل المذهبي بعدا آخرا في النسيج العرقي الإيراني، فحسب الأرقام الرسمية فإنّ 89 بالمائة من سُكّان إيران تُدين بالمذهب الشيعي، ويُشكّل أهل السُنّة 10 بالمائة بينما يُشكّل اليهود والمسيحيين الأرمن والأرثوذكس والزرادشة 1 بالمائة من مجموع السُكّان.
وتنتقد هذه الأقليات العرقية طريقة تعامل الحكومة المركزية معها بمنطق الاستعلاء والتجاهل المُتعمّد وإتّباع سياسة التضييق المُمنهجة إضافة إلى تهميشها وإقصائها من تولّي المناصب الرفيعة في الدولة. وعلى الرّغم من التسلّط السياسي للأتراك لحقب طويلة في إيران، فإنّ اللغة والثقافة الفارسية بقيت هي المُسيطرة على الضمير الجمعي الإيراني، ومع انتقال السلطة السياسية إلى الأسرة البهلوية الفارسية بعد انتهاء حُكم القاجاريين في عشرينات القرن الماضي أصبحت النزعة الفارسية الشُعوبية أحد أهمّ مُكوّنات الهُويّة الإيرانية في القرن العشرين.
كما لعب المذهب الشيعي الإثني عشري دورا مهمّا كذلك في ترسيخ دعائم هذه الهُويّة التّي احتكرت جميع الامتيازات والمناصب “وبعد نجاح الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979، استمرّ الموروث والفكر الإمبراطوري الفارسي في مُمارسة تأثيره، واستمرّت القومية الإيرانية الحديثة في تشكيل رُؤى وتصوّرات مُحرّكة وداعمة للتوسّع والتمدّد الإيراني في الدول والمنطقة العربية. وإن جاءت تحت مُسمّيات جديدة من قبيل “تصدير الثورة([4]).
د ـ تزايد الضغوط الخارجية على النظام الإيراني:
تصاعدت حدّة التوتّر في منطقة الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وحُلفائها من ناحية وإيران ووكلائها الإقليمييّن من ناحية أخرى نتيجة لعدّة أسباب: أوّلها الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي ومُضي إيران قُدما في إعادة تخصيب اليورانيوم، وإعادة تصنيع أجهزة الطرد المركزي في مُفاعلاتها النووية.
ويتمثّل ثانيها في تزايد الضغوط الاقتصادية على النظام الإيراني منذ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض مزيد من العُقوبات الاقتصادية على إيران ضمن استراتيجية “الضغوط القصوى” لإجبارها على العودة للمُفاوضات من جديد والحدّ من برنامجها النووي والصاروخي “وقد ازدادت وطأة الضُغوط الاقتصادية على إيران بشكل أفقد قادتها القُدرة على الثبات بعد قرار إلغاء الاستثناءات للدول الثماني (الصين واليونان والهند وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا) في استيراد النفط الإيراني في مايو 2019، إذ ترتّب عليها انخفاض صادرات النفط الإيراني إلى 100 برميل في اليوم([5]).
وقد زادت وطأة العقوبات الأمريكية قسوة على النظام الإيراني بتصنيف الحرس الثوري مُنظّمة إرهابية، وطالت العُقوبات لأول مرّة شخص المُرشد الأعلى علي خامنئي وحفيده إضافة إلى شخصيات مُقرّبة منه، في تصعيد أصاب هرم السُلطة بالشّلل والتخبّط، “واستهدفت العقوبات أيضا القطاعات الحيوية الأخرى في المُوازنة الإيرانية بجانب القطاع النفطي مثل قطاع التعدين (يمثل 10 بالمائة من إجمالي الصادرات الإيرانية)، وذلك في ماي 2019، وقطاع البتروكيماويات (صادراته تقدر بنحو 14 مليار دولار)، وذلك في 8 جويلية 2019([6]).
وقد زادت عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني من قبل الولايات المتحدة أوائل 2020 وطأة على النظام الإيراني الذّي أصبح في مهبّ الريح.
قابلت إيران هذه الضُغوط بالتصعيد ضدّ المصالح الأمريكية وحُلفائها التقليديين (السعودية والإمارات) والأوروبيين في منطقة الشرق الأوسط وضدّ أمن الملاحة الدولية التّي تمرّ عبر مضيق هرمز، باستهدافها ناقلات النفط السعودية والأمريكية والبريطانية واحتجازها في موانئها، وضرب أهداف عربية ودُولية في الداخل العراقي، واستهداف منشآت نفطية سعودية (الهجوم على شركة أرامكو)،إضافة إلى تسليح الميليشيات التابعة لها (الحشد الشعبي في العراق، جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن، جمعية الوفاق الشيعيّة المُعارضة في البحرين، نظام بشار الأسد، وحزب الله في لُبنان، وحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة) ضمن سياسة الحرب بالوكالة التّي تتّبعها منذ انتهاء الحرب العراقية ـالإيرانية.
وقد أثّرت هذه الأزمات سلبا على الاقتصاد والشارع الإيراني بشكل عام وتدهورت معها الأوضاع المعيشية للمواطنين الذّين دفعوا ثمن سياسات بلادهم، فجاءت احتجاجات نوفمبر 2019 انعكاسا لتلك الأوضاع.
2 ـ الثيوقراط الشيعي من خلال نظرية ولاية الفقيه وتجلياته على السياسة الداخلية والخارجية:
أـ الروافد الغربية والجذور الفلسفية لنظرية ولاية الفقيه:
بعد سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي وقيام نظام الجمهورية الإسلامية، أصبحت إيران مثار جدل كبير في الأوساط العالمية من خلال جمعها بين صيغتين في الحكم في نفس الوقت احداهما إسلامية ثيوقراطية والثانية جمهورية مدنية، وبناء على ذلك اتجهت أنظار الباحثين والمهتمين بالشأن الإيراني إلى البحث عن المبادئ والأسس التي يقوم عليها النظام الإيراني الساعي إلى السيطرة والتوسع في منطقة الشرق الأوسط.
بُني النظام الإيراني الجديد على الثيوقراطية التي تعني اصطلاحا حكم الكهنة والحكومة الدينية، تتكون كلمة ثيوقراطية من كلمتين مُدمجتين في اللغة اليونانية هما “ثيو” وتعني الدين و”قراط” وتعني الحكم، وعليه فإن الثيوقراطية نظام حكم ديني يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله، ويتأسس مجلس حكمه على طبقة رجال الدين المهيمنة والمستفيدة في نفس الوقت. وفي التجربة الشيعية يصبح الولي الفقيه أو المرشد الذي ينوب صاحب الزمان هو الحاكم بحق إلهي حتى عودة المهدي المنتظر الذي سيملأ الدنيا عدلا بعد أن ملأت ظلما وقهرا.
صحيح أن النظام الإيراني يقوم على نظرية عقائدية مستوحاة من كتب الفقه الشيعي إلا أنه مزجها بروافد فلسفية غربية ونظريات دينية مسيحية وأخرى يهودية، حيث يتوافق الثيوقراط الشيعي مع نظرية أفلاطون القائمة على المدينة الفاضلة التي يجب أن تُحكم بالعدل بواسطة تفويض إلهي، لكل فرد فيها وظيفة محددة ويكون فيها الفلاسفة والمفكرون هم ولاة الأمر والنهي من خلال ما يمتلكونه من رأي وفكر وثقافة وبصيرة ونقصد بالمفكرين والفلاسفة بطبيعة الحال هم الفقهاء في النظرية الشيعية، يذكر الفيلسوف اليوناني أفلاطون في كتابه “الجمهورية” أن الفلاسفة الحقيقيون هم حكام الدولة المثلى، وهكذا تم التطرق إلى استئناف البحث وتهذيب الحكام من خلال امتحانات يجتازونها قبل أن يتمتعوا بحقوق الحكم، والآن نقول إنه علاوة على تلك الامتحانات يلزم امتحانهم في دروس جمة، فيرتقون تدريجيا من الأدنى إلى الأعلى لاستكشاف صفاتهم العقلية والأدبية([7]).
كما كان للتفكير الأرسطي تأثير في النظرية السياسية الشيعية الإيرانية حيث قسم “المعلم الأول” المجتمعات إلى طبقات وميّز بين مواطنيها على أساس مكانتهم في مجتمعاتهم وجعل القيادة وولاية الأمر بيد العقلاء والأصلح على الإدارة وأكّد على أن بعض الناس يولدون سادة بالطبع والبعض الآخر رقيق، والرق في حق هؤلاء نافع بقدر ما هو عادل، وخصّ المجتمع الإغريقي بأنهم سادة لا يجوز استرقاقهم، أما كسب الثروة فخصه بطريقتين الأولى: هي الطريقة الطبيعية حين يحصل المرء من الطبيعة على الثروة المطلوبة لأغراض الحياة، والثانية: هي الحرب، تلك التي اعتبرها كذلك طبيعية للكسب، فضلا عن طريق المقايضة بالتجارة([8]).
وقد أخذ النظام الإيراني بعض ما قاله أرسطو وأدخله في نظام الحكم خصوصا ما تعلق بطرق كسب الرزق وإعلان الحرب (التي أنشأ لها جيوشا عقائدية تتخطى التراب الإيراني لنصرة الشعوب المستضعفة في كل مكان).
إلى جانب ذلك أخذ النظام الإيراني من الفلسفة الفارابية، إضافة ما جاءت به بعض التعاليم المسيحية القديمة (نظريات القديسين توما الإكويني وأوغسطين) حول نظرية الحكم المطلق للسلطة الدينية التي نصّت على أن الله هو من فرض الحكام على الشعوب فأصبح من واجبها الولاء لهم والسمع والطاعة، وقد طوّعها النظام بما يتوافق مع رؤيته الخاصة للسيطرة على مقدّرات الدولة الإيرانية والشعوب العربية التي تتبع مشروعه الإسلام الشيعي الأممي.
وهنا ماثلت وظيفة المرشد الأعلى وظيفة بابا الفاتيكان من خلال امتلاكه للسلطة الزمنية والروحية ومن خلال حجم تأثيره على الملايين من أتباعه، كما ماثلت النظرية الشيعية المسيحية في فكرة البطل المُخلّص الذي سيُغير المجتمع ويُخلّص الأمم من الظلم والجور(ظهور المهدي المنتظر بصفة المسيح) وهذا تأليه للولي الفقيه الإنسان واعتباره حاكما وفقيها واجب الطاعة في العالم الإسلامي، واعتبار مدينة “قم” هي المدينة المقدسة في هذا المشروع، ومرجعيتها الدينية فوق كل المرجعيات الدينية الأخرى، بما فيها مرجعية النجف في العراق ومرجعية جبل عامل في لبنان، ليغدو الولي الفقيه في ذهنية المقلدين على صورة المُخلّص يضفي على المعاناة والأزمة في إيران صفة القداسة لحفظ الوضع السائد والامتيازات الطبقية والتضحية بالمقهورين أثناء الحرب باعتبارها حروبا مُقدّسة .كما تلتقي الشيعة مع اليهود في قومنة الإله فالمهدي هو رمز الغائب العالم بالغيب وتلتقي مع المجوسية الفارسية في مقولة شعب الله المُختار.
أيضا أخذت النظرية الشيعية جزءا من الفلسفة الصوفية والإخوانية (التخفي والتقية لتحقيق الأغراض والمكاسب) وأعادت قولبتها في شكل جديد. كما ماثلت النظرية الشيعية النظرية السنية في الحكم حيث أن نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة تماثل نظرية الخلافة عند السنة لها دلالاتها من النص القرآني ومن الأحاديث النبوية، وتتنافس كل منهما على الاقرار بكونها الفرقة الناجية الوحيدة التي ذكرها الرسول.
ب ـ تأثير ولاية الفقيه على السياسة الداخلية في إيران:
يرى بعض المُهتمّين بالشأن الإيراني أنّ الأزمة الإيرانية تكمن في الصراع بين النُخبة الحاكمة والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في حين يرى البعض الآخر أنّ الأزمة تكمن حقا في طريقة حُكم الإدارة الإيرانية وعجزها عن توفير حياة كريمة لمواطنيها الذّين يزدادون فقرا، ويتمثّل جوهر الأزمة عند الآخرين في إهدار ثروات الشعب الإيراني في صراعات إقليمية لا تنتهي.
ولكن حقيقة الأمر أنّ كُلّ هذه التوصيفات للأزمة الإيرانية هي فقط نتيجة نابعة من الأزمة الكُبرى التّي تُسمّى “ولاية الفقيه الإسلامية”، وقد جاءت نظرية ولاية الفقيه كردّ فعل على الألف سنة التُّي عاشتها الشيعة الاثني عشرية في مُقاطعة السلطة والأنظمة الحاكمة بعد غيبة الإمام الثاني عشر من نسل أبناء علي ابن ابي طالب مُحمد بن الحسن العسكري، حينها أفتى كبار فقهاء الشّيعة بحُرمة العمل السياسي أو القيام بثورات على الدّولة أو إقامة حكومة باعتبارها فقط من المهام المُوكلة للإمام الغائب، بلغ بهم الحدّ إلى تحريم التفاوض مع السُلطات القائمة باعتبارها غاصبة لحقوق الإمام السياسية إضافة إلى تحريم الجهاد وتنفيذ الحدود وجمع أموال الزكاة مُعلّلين بكونها من مهام الإمام المعصوم ولا حق لسواه في إدارتها أو القيام بها ـوهذه تمثل نظرية الانتظار عند الشيعة([9]).
وقد سار الأمر في مُعظم تاريخ المذهب الإثني عشري على القطيعة النسبية بين الدولة والفقيه، أو التعاون في أحسن الأحوال تحت شُروط مُحدّدة، كما حرصت كلّ أشكال الدولة الإيرانية منذ الصفويين ومنها الحديثة على أن تسترضي الفقيه وتُقدّم له الامتيازات الخاصة بالحوزة والتعليم، شرط أن يُقابلها بالولاء أو على الأقلّ عدم التحريض ضدّها، وكان ذلك حتّى عصر الشاه الأخير محمد رضا بهلوي. في وقت ما ليس ببعيد قبل الثورة الإيرانية الأخيرة، بقيت الحوزة الرسمية الشيعية ضدّ فكرة التدخّل في السياسة، بل وصل بعضها حتى إلى نفي فكرة وُجود (دستور حديث للدولة)، والأغلب أنّ الحوزة كانت ترفض قراءة بعض المُجتهدين لمشاركة الفقيه في السياسة أو الاشتراك في الحُكم([10]).
إشكاليّة الفقه الشيعي تجلّت في “عصر الغيبة” للإمام الثاني عشر الذّي غاب دون أن يوصي بالإمامة لأحد من بعده، ومعها تأسّست عقيدة عودة المهدي المُنتظر في آخر الزمان “ليملأ الأرض عدلا بعد أن مُلئت ظلما وقهرا” وهي فكرة أساسية في الفقه الشيعي وبمُقتضاها لا يمكن لأحد غير المعصوم أن يشغل هذا المنصب. وتنتفي معها شرعية قيام دولة إسلامية أو المشاركة في تشكيل حُكومة ويُسحب الحقّ بالمشروعية الدينية من أيّ كان. وفي هذا السياق برز اجتهاد بين فُقهاء الشيعة اجتهاد حمل معه بذور الخلاف قديما وحديثا حول حُدود ولاية الفقيه والصلاحيات المُعطاة له والذّي جاء عبر رأيين:
ـ الرأي الأول: وهو القائل بالولاية الصُغرى والمحدودة في أمور الدّين والفقه والحسبة والإفتاء دون تولّي الأمور السياسية
ـ الرأي الثاني: وهو القائل بالولاية المُطلقة حيث يرى بعض الفقهاء أنّ ولاية الفقيه غير مقصورة على الأمور الدينية بل تتعدّاها نحو السياسة وقيادة المسلمين وإدارة شؤون الأمّة وتولي الحُكومة الإسلامية.
وهنا تبرز الإضافة النوعية التّي قدّمها الخُميني لهذه الأطروحة، فمعه تحوّلت ولاية الفقيه العامّة من التنظير إلى المُمارسة الفعلية ومن مجال الفقه إلى مجال علم الكلام ومسائله الاعتقادية، وجعلها جزءا من أصول الدّين بعد أن كانت من فُروعه، فمع الخُميني أصبح الولي الفقيه يملك جميع صلاحيات الإمام المعصوم، “يملك هذا الحاكم من أمر الإدارة والرعاية السياسية للناس ما كان يملكه الرسول ـصلوات الله عليه ـ وأمير المُؤمنين علي بن أبي طالب([11])،والفارق الوحيد حسب تعبيره هو أنّ ولاية الإمام المعصوم “تكوينية إلهية” في حين أنّ ولاية الفقيه “اعتبارية”، وبمُوجب ذلك أصبحت ولاية الفقيه “بديلا لإمامة المعصوم نفسها في عصر الغيبة ووجب على الناس أن يسمعوا له ويُطيعوه”([12])، هذه هي الخلفية النظرية والفقهية للخُميني في رؤيته لمسألة الحُكم والدولة.
وقد نجح في إقامة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979 على أساس نظرية ولاية الفقيه وتولّى الحُكم فيها بصفته وليّا للفقيه الذّي يُمثّل أعلى سُلطة روحية ودستورية في البلاد، ويتحتّم على رئيس الجُمهورية أن يأخذ تزكية ومُوافقة من الإمام وإلاّ فلن يُصبح رئيسا شرعيا ولن يستطيع مُمارسة مهامه.
استطاع الخُميني أن يحكم بما له من صلاحيّات واسعة أقرّها الدُستور الإيراني الذّي ينصّ على أنّ الدّين الرسمي هو الإسلام والمذهب الرسمي للدولة هو المذهب الجعفري الإثني عشري وأنّ هذه المادّة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير، وهو بذلك يُثبّت أركان الحُكومة الإسلامية حيث تنصّ المادّة الرابعة منه على أنّ ” الموازين الإسلاميّة أساس جميع القوانين والأنظمة المدنية الجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها. ويسري هذا المبدأ على جميع مواد الدُستور والقوانين والقرارات الأخرى على الإطلاق والعُموم، ويتولّى الفُقهاء في مجلس صيانة الدُستور تشخيص ذلك”([13]).
وهو يُؤكّد صراحة على عُلويّة الولي الفقيه الذّي يُعتبر ركيزة من الركائز الأساسية للجُمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال ما نصّت عليه المادّة الخامسة “أنّه في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمّة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المُتّقي البصير بأمور العصر الشُّجاع القادر على الإدارة والتدبير وفقا للمادّة 107([14]).
وبمُوجب مواد الدّستور يُصبح الفقيه هو المُرشد والمُوجّه للنظام السياسي ولجميع شُؤونه له فتواه الدّينية والسُلطة لتنفيذها، يتأكدّ ذلك من خلال المادة 57 التّي نصّت على ” أنّ السُلطات الحاكمة في جُمهورية إيران الإسلامية هي السُلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وهي تُمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المُطلق وإمام الأمّة”([15])، الذّي يتمتّع بوضع خاص شديد التميّز والتمدّد بما يملكه من صلاحيات تُخوّل له التدخّل في عمل مُختلف هياكل الدولة، من خلال رسم السياسات العامّة للبلاد والإشراف على تنفيذها وقيادة المؤسسة العسكرية وإعلان الحرب والسلام، وهو رئيس السُلطة القضائية ورئيس مُؤسّسة الإذاعة والتلفزيون وقائد الحرس الثوري، ومن صلاحياته أيضا مُراقبة عمل رئيس الجمهورية وعزله مع عزل نصف أعضاء مجلس صيانة الدُستور وعزل القيادات العُليا للجيش والأمن الداخلي إن اقتضى الأمر ذلك.
ويملُك المُرشد صلاحيّات تعيين مُمثلين له في كُلّ الوزارات ومُؤسّسات الدّولة وأجهزتها في الداخل والخارج يصل عددهم إلى 2000 مُمثل برُتب “حُجّة الله” و” آية الله”.
وبالجّمع بين المواد 4، 5، 12، 57، 60، 98، 99، 109، 110، 111، 112، 177 وتحليلها بعمق، يتأكّد لنا أنّ المرشد الأعلى يُمسك بجميع السُلطات في إيران وأنّ كُلّ المراكز الأخرى تُمثّل أدوار ثانوية وبصلاحيات محدودة لا ترق ولا تُنازع حتّى صلاحيات الولي الفقيه، ويضرب لنا الحُقوقي الأحوازي ناصر العُوفي مثالا إذ يرى “أنّ شُورى الفقهاء التّي تُمثّل عصبا رئيسيا في النّظام تتشكّل من ستّة فُقهاء دين وستّة حُقوقيين، يختار الولي الفقيه الفقهاء والحُقوقيّون يختارهم رئيس القضاء، وهذا بدوره جاء باختيار الوليّ الفقيه. ويخلص إلى أنّ هؤلاء الأشخاص جميعا مُرتبطون بالقائد ولا تُوجد انتخابات حقيقية ولا صلاحيات حقيقية للمراكز الناشئة عنها وتتّضح سُلطة الولي الفقيه من خلال اشراف شُورى الفقهاء آنف الذّكر على كُلّ الانتخابات، حيث يملك هذا المجلس صلاحيّة ردّ أي مُرشح لا يُؤمن بولاية الفقيه وفي ذلك نقض لأصول الحُريّة والتنافس”([16])
وفي مُتابعة لتحليل مضمون الدستور نجد مُحاولات لإدماج مفاهيم وعناصر حديثة في سياقاته، فالمادّة الأولى منه تُعلن أنّ نظام الحُكم هو جُمهوري إسلامي ما يعني أنّ الثورة تبنّت أحد عناصر الصيغ العصرية المُتداولة، وهي تُقدّم نفسها كجُمهورية بما يُوحي أنّها تلتزم بقيم الجُمهوريات العصرية المُعترف بها دُوليا وأهمّها السيادة والمُواطنة وتداول السلطة، ومن ثمّ رفعت الحرج عن نفسها وعن باقي المُسلمين حول علاقتهم بهذه الدولة. فصيغة الجمهورية الإسلامية على عكس فكرة دولة الخلافة أو الإمامة لا تستلزم الهجرة إليها ولا الولاء السياسي لها من باقي المُسلمين، لكنّ التطبيق العملي لفكرة تصدير الثورة ومُهمّات الحرس الثوري خارج إيران أفرغ ذلك الادّعاء من مضمونه. من جهة ثانية صحيح أنّ لفظ الديمقراطية لم يرد في الدستور لكنّه أقرّ آليتين من الآليات الديمقراطية ثُمّ قام وأفرغهما من مضمونهما، فقد أقرّ الانتخاب واضعا شروطا تصفويّة للمُرشحين كمّا أقرّ الفصل بين السُلطات من خلال مُوافقته على قيام سُلطة تشريعية قائمة ومُنفصلة عن باقي السُلطات، لكنّها بقيت تحت إشراف ولي الأمر المُطلق وإمام الأمّة وفق المادّة 57([17]).
وقد احتلّ الفقيه بهذا أعلى مرتبة في هرم السُلطة بعد أن أخذ موقعه إلى جانب النصّ الفقهي الديني، فهيمن من خلاله على السُلطة الروحية الدّينية والسُلطة الزمنية السياسية في جمهورية إيران الإسلامية. وتضخّمت معه سُلطة الفقهاء المُعمّمين ـأيّ التيار الأصولي المحافظ ـ الذّي هيمن على كامل مفاصل الدولة مقابل تراجع التيار الحداثي الإصلاحي، فغدت إيران دولة الزعيم الرُوحي والحاكم المُتألّه التّي لا تقبل قراراته المُراجعة والنقاش باعتباره حاكما بأمر إلهي ومُفوّضا من قبل الإمام المعصوم لإدارة شؤون البلاد والعباد.
ونتيجة لذلك اشتدّ الخلاف بين الخُميني وأوّل رئيس بعد الثورة الإسلامية مهدي بازرقان الذّي أراد العمل على بناء جُمهورية إيرانية مدنية قائمة على مُؤسّسات ثلاث مُنتخبة وإعادة تنقيح الدستور الإيراني وفق المبادئ المُتعارف عليها في النُظم الحديثة بعيدا عن توجّهات الولي الفقيه، وبناء على ذلك تمّت الإطاحة بحُكومة بازرقان في أكتوبر 1979.
نفس الأمر حصل مع رئيس الوزراء بني صدر الذّي اختلف مع التيّار الديني المحافظ بعد أن كان يريد تأسيس حُكومة توافقية تشاركية تظّم تيّارات سياسية مُختلفة التوجّهات ولا تُحتكر من قبل المُعمّمين، فصدر قرار من المرشد بسحب الثقة عنه وإقالته من منصبه سنة 1981.
وواصل المرشد علي الخامنئي نهج سلفه الخُميني التسلّطي الاستبدادي وكان الضحيّة هذه المرة الرئيس الأسبق أحمدي نجاد الذّي أراد توسيع صلاحيات رئيس الجُمهورية والخروج من جُبّة رجل الدّين الشّيعي المُتزمّت لكنّه وجد نفس مصير سابقيه فمُنع من الترشّح لفترة رئاسية ثانية بعد أن تعاظمت شعبيته وباتت تهُدّد خطرا على دولة المُرشد الدّينية.
“وتحوّل النظام الإيراني ـكما يظهر ويُمارس اليوم ـ إلى نظام استبدادي وشخصاني مُطلق، استخدم سلطان الترهيب الذّي يقود إلى الخوف ثم الصمت للسيطرة الكُليّة والشاملة، مما نتج عنه فداحة في التعدّي على الحقوق البسيطة للمُواطن في إيران، لقد خلق بعض رجال الدّين (الغول) واستعصى عليهم ترويضه. الأجنحة التقليدية إمّا صُفّيت أو هُمّشت، أو أنّ بعضها التحق بالولاية المُطلقة بسبب الامتيازات، وأصبح هناك رجل واحد يملك ما كان يعتقد الفكر الشيعي الإثني العشري التقليدي أنّه امتياز حصري للإمام الغائب، هنا تكمن أزمة النظام الإيراني الحالي وليس في أماكن أخرى، كلّ الأزمات هي مُجرّد إفرازات للأزمة الأمّ وهي امتلاك سُلطة مُطلقة على المال والعباد ليس لها رادّ أو مُنافس”([18]).
ج ـ تأثير ولاية الفقيه على السياسة الخارجيةّ:
عملت إيران منذ نجاح الثورة سنة 1979 على توظيف المذهب الشيعي الامامي وعلى التوأمة بين الدّين والسياسة من أجل تصدير ثورتها الإسلامية، وقد استخدمت الخطاب الولايتي الديني في تعبئة وحشد الجماهير الشيعية في كُلّ أنحاء العالم. ويستثمر المُرشد الأعلى جميع المناسبات الإسلامية كشهر رمضان وشهر مُحرّم ويوم عاشوراء وأيّام ولادات ووفيات الأئمّة الشيعة وأيّام الجُمعة من أجل استنهاض الشيعة، وعملية الاستنهاض هي إحدى ركائز المشروع الخُميني الإسلامي انطلاقا من إيمانه بالوعد الإلهي بالنصر “إن تنصُرُوا اللُه ينصُرُكُم ويُثبّتُ أقدامكُم” وذلك لا يتمّ إلاّ في ظلّ قيادة إسلامية مُخلصة وحكيمة وقادرة على تحويل الضُعف إلى قُوّة، ” والاستنهاض عند الإمام الخُميني لا ينحصر بدائرة ضيّقة وخاصّة فهو لا يتوقّف عند دائرة الحوزات والمُثقّفين أو طُلاّب الجامعات بل يتعدّاهم جميعاً إلى كلّ شرائح المُجتمع عرضاً وطولاً لا يستثني في خطابه الاستنهاضي الفلاّحين والعُمّال حتّى الجُنود في الجيوش الرسمية هذا فضلاً عن التُجّار والأحزاب والسياسيين والحُكّام وغيرهم من شرائح المجتمع المُختلفة. كما أنّ الاستنهاض عند الإمام لم يتوقّف في دائرة جُغرافية خاصّة ومُحدّدة بل تعدّى الساحة الإيرانية إلى ساحة الأمّة الإسلامية والعربية وصولاً إلى الساحة العالمية ([19])، وفي ذلك تجسيد لفكرة أممية الإسلام وعالميته التي تتخطى الحدود والأوطان.
حيث تُقدّم إيران نفسها الحامي الوحيد للشّيعة وللمُستضعفين في العالم من خلال رفعها شعارات ثورية مثل “الُمُستضعفون في مُواجهة أجهزة الاستكبار العالمية” و”الموت لأمريكا والموت لإسرائيل”، و”أمريكا الشيطان الأكبر”. وتماهيا مع هذا التوجّه أكدّ الدستور الإيراني على مبدأ نُصرة الشعوب المستضعفة معتبرا المسلمين أمّة واحدة. وهو ما أتاح للولي الفقيه دعم الحركات والتواصل مع الجماعات والمليشيات الشيعية والقفز على مفهوم الدولة الوطنية واختراق سيادتها وتهديد استقرار نسيجها الداخلي والضغط على دول أخرى لإدخالها تحت الولاء الإيراني.
وقد أسهم احتلال العراق سنة 2003 في تصاعد النفوذ الإقليمي الإيراني في ظلّ بيئة إقليمية غير مُستقرّة “ومثّلت المرجعيات الشيعية العراقية جسرا للنفوذ الإيراني في العراق وشكّلت عقيدة ولاية الفقيه الغطاء الإيديولوجي الدّيني لهذا النفوذ وصارت إيران الآمر الناهي في السياسة العراقية، ولا يتم تنصيب أيّ رئيس حكومة أو تشكيل أيّ تحالف سياسي دون مُوافقتها ومُباركة الخامنئي”([20]).
وتبدو السيادة العراقية هامشية وثانوية أمام الهيمنة الإيرانية، ويبدو العراق معها جزءا صغيرا من مشروع الهيمنة التوسعية. وتستغلّ إيران الأزمات المُتتالية والفوضى الضاربة في بلاد الرافدين من أجل اتمام مشروعها القائم على ربط طهران بحُلفائها في سوريا ولبنان (خاصّة من أجل نقل الأسلحة والإمداد البشري لحلفائها).”ويميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح إيران بنسبة 90 بالمائة، فالمنافذ الحدودية الواقعة بين الجانبين تشهد سيطرة إيرانية كبيرة تتمثّل في وجود ضُبّاط من فيلق القدس يُشرفون على عمليّات سحب العُملة الصعبة من العراق إلى إيران. وكذلك على عمليات تهريب النفط والمخدّرات والمواد الغذائية والصناعية والأدوية الفاسدة والأسلحة وخُردة الحديد، وتجني المليشيات والأحزاب التابعة لإيران أموالا طائلة من واردات المنافذ الحُدوديّة والحال ذاته في الجانب الإيراني([21])
كما استغلّت إيران التحوّلات الحاصلة في بنية دُول المشرق خاصّة بعد الربيع العربي وسقوط نظام علي عبد الله صالح مُحوّلة أطماعها نحو اليمن (المستعمرة الفارسية القديمة) لتكون بوابتها نحو السيطرة على موانئ البحر الأحمر فدعّمت مليشيا أنصار الله الحُوثية بالمال والسلاح والتقنيات الحديثة المُستعملة في تطوير الصواريخ والطائرات المُسيّرة والألغام والمُتفجّرات، إضافة إلى إرسال خُبراء عسكرييّن إيرانيين.
وفي لبنان تُؤكّد تصريحات قادة حزب الله وميثاقه الداخلي مرارا وتكرارا على تبعيّة الحزب لتعاليم المُرشد الأعلى، “وبحسب مُحلّلين للوضع اللبناني، فإنّ العلاقة بين حزب الله وإيران تتميّز بتداخل البُعدين السياسي والدّيني فيها، فاللُبنانيون الشيعة الذّين يُمثلون كوادر حزب الله تربطهم بالمرجعيات الدينية الإيرانية روابط روحية عميقة، ويُعتبر مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي أكبر مرجعية دينية بالنسبة لهم، ويُسمى أمين عام حزب الله حسن نصر الله الوكيل الشرعي لآية الله خامنئ.
وتُزوّد إيران حزب الله بنحو 700 مليون دولار في السنة، وفقا لمسؤولي الحكومة الأمريكية، وإلى جانب هذا التدفّق النقدي ساعدت طهران الحزب في بناء ترسانة من حوالي 150،000 صاروخ”([22]).
وقد أكّدت هذه المُمارسات على اختراق السيادة اللبنانية وانهيار سلطة الدولة التّي فشلت في بسط سيطرتها على أراضيها.
أيضا دعّمت إيران نظام بشار الأسد على مدى سنوات الأزمة السُورية وحالت دون سقوطه عبر مليشياتها التّي يرأسها مباشرة قائد فيلق القدس المقتول الجنرال قاسم سليماني، “وتطوّر التدخل الإيراني في سوريا منذ عام 2012 من الدعم المالي واللوجستي إلى الانخراط والتموضع والمشاركة العسكرية إلى جانبها فيما بعد، وصولا إلى التحكّم ببعض الموارد الاقتصادية للدولة. وتسعى إيران من خلال تدخّلها العسكري إلى جانب قوات النظام السوري لتحقيق مصالح اقتصادية ودينية واستراتيجية([23]).
3ـ انعكاسات الأزمة على شرعية أيديولوجيا ولاية الفقيه:
لم تعد المبادئ التّي قامت عليها الثورة الإسلامية الإيرانية مُلهمة لعامّة الشعب الإيراني كما كانت أيام حُكم الخُميني الذّي كان يعتمد في أسلوبه على الاقناع والتعبئة وعلى منهج فكري وفقهي عكس النظام الحالي الذّي أصبح يفرض مشروعه بقُوّة السلاح وبواسطة الميليشيات التّي يستعملها في قمع كل مُعارض له، “فليس خامنئي هو الخُميني بكاريزمته وفقهه وشعبيته، كما لم تُحقّق تلك الأيديولوجيا ما كان مُعلّقا عليها من آمال وما وعدت به من وعود، إضافة إلى أنّ الأصوات المُخالفة لفكرة ولاية الفقيه بقراءتها الخُمينية قد تعالت من قم داخل إيران، فضلا عن أنّ مشروع هذه النظرية فقد شرعيته الشعبية في مُحيطه الإقليمي بسبب الدور السلبي الذّي تلعبه إيران في المنطقة([24]).
مثّلت الجُمهورية الإسلامية الإيرانية حلم الإسلاموييّن في إقامة دولة الشريعة والعدل أي دولة الله على الأرض، ورغم الطرح الخُميني المثالي عن الدولة الدينية الفاضلة والمنشودة التّي تحكم بين الناس بالمساواة والعدل إلا أنّه عاد وناقض نفسه حيث وضع بندا في الدستور ينصُّ على ضرورة أن يكون رئيس البلاد شيعّيا اماميّا، وهو بذلك يُقدم سلطة المذهب على سُلطة الدولة ويٌعطيه الأولوية على حساب المُواطنة وعلى حساب بقية المذاهب والدّيانات الأخرى.
وقد كشف بذلك أنّ إيران دولة ثيوقراطية تحت حُكم وسلطة رجل واحد وهو الوليّ الفقيه الذّي يزعم حراسة الدّين والدُنيا نيابة عن الإمام المعصوم، سُلطته مُطلقة تفوق جميع السُلطات بما فيها سلطة رئيس الدولة وسلطة البرلمان” وبهذا يكون التّيار الإسلاموي في طبعته الشيعية قد فاق الشاه استبدادا وتسلّطا، فالشاه كان يستند في حُكمه واستبداده على شرعية تاريخية وهي الأسرة البهلوية الفارسية المُؤسّسة لإيران الحديثة، بينما الخُميني ورجال الله من حوله يستندون إلى المُقدّس والسماء بصفتهم الناطقين بلسانها، أي أنّ استبدادهم مُغطّى بشرعيّة دينية إيمانية هي جُزء من صميم التديّن للمُواطن الإيراني الجعفري المُقلّد لإمامه الذّي ينوب عن صاحب الزمان قدّس الله سرّه”([25])
وقد توسّل المرشد الأعلى بالمجموعات المُسلّحة التّي تتّبعه عقائديا ومذهبيا نذكر منها على سبيل المثال الحرس الثوري وفيلق القُدس وقُوات التعبئة المعروفة بقوات الباسيج وأنصار حزب الله، والتّي تُمثّل أعمدة النظام وذراعه الداخلية في قمع الاحتجاجات والمُظاهرات الرافضة لسلطة الولي الفقيه، “وعلى الرغم من التزام الحرس بأوامر الولي الفقيه واعتبارهم القوة المسلحة المخلصة له، فإنّ هناك بعض التقارير التّي تتحدّث عن أنّ قوة حرس الثورة السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية تجعل قيادته الحاكم الفعلي للبلاد وتدفع المرشد نفسه إلى أخذها في الحسبان، وبالتالي فإنّ نفوذ الحرس على خامنئي ومكتبه يكاد يوازي نفوذ الأخير على حرس الثورة”([26]).
والمُتتبّع اليوم لأحوال المُجتمع الإيراني المُرتهن لتسلّط الولي الفقيه يلحظ عمق وأزمة مشروع الدولة الدّينية التّي أوقعت الشعب الإيراني “المغلوب على أمره” في أتون الكراهية والعوز الاقتصادي، حيث تتوالى الأزمات في عُمق بنية الاقتصاد الإيراني، بحيث تدنّت قيمة العُملة وارتفع مُستوى التضخّم إلى مُستويات كبيرة تماما كما كان الوضع أيّام الشاه، بما يشي بقُرب حُدوث ثورة شعبيّة عارمة ضدّ حُكم الملاّلي البائس الذّي أهلك الحرث والنسل، فكان كالمُنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. وبذلك هيّأت سياسة الملاّلي الإقصائية الشعب الإيراني الذّي يُعاني من قمع الحُريّات والمُلاحقات الأمنية والتمييز العرقي والفشل الاقتصادي إلى رفض مشروع الدولة الدينية، وتحيّن الفرصة للثورة على حُكم آيات الله ولُصوص المُقدّس([27]).
وقد أظهرت الاحتجاجات الأخيرة في العراق ولبنان حجم الخلاف الفلسفي والفقهي الكامن بين المرجعيات الدينية الشيعية، ذلك الخلاف القائم بين المُحافظين (مراجع التقليد) والإصلاحيين وكذلك بين الحوزة العلمية في النجف والحوزة العلمية في إيران.
فالإصلاحيّون الذّين يُشكّلون امتدادا لفكر آية الله النائيني مُنظّر الدُستورية يُريدون تأسيس دولة مدنية تقوم على الحقوق والحُريّات ودولة المؤسسّات وسيادة الشعب والتعامل مع الدولة بفقه الواقع، بخلاف التيّار الأصولي المحافظ على مرجعية التقليد الذّي لازال يتعامل بفقه النصوص ويرفض الاحتكام إلى المبادئ الدستورية ويتمسّك بإقامة دولة دينية تنوب عن الإمام المعصوم إلى حين ظهوره، فتحوّل الخلاف من بُعده الفلسفي الفقهي إلى فقه الدولة والسياسة وهو ما شكّل أزمة داخل البيت الشيعي.
ويمتدّ الخلاف أكثر داخل التيّار التقليدي نفسه حيث نجد تعارضا بين مدرسة النجف العراقية (الذّي يُمثّلها السيد السيستاني) وبين مدرسة قم الإيرانية، “فالمرجعية العليا في النجف لا تُؤمن بولاية الفقيه، ولا بالعمل السياسي في ظلّ غياب المعصوم إلاّ أنّها تُدلي برأيها في الأحداث المحورية للدّاخل العراقي، وليس من عاداتها أن تصدر بيانات لما يحدث خارج العراق بخلاف النُخبة الدينية الإيرانية التّي تؤمن بولاية الفقيه ومركزيتها، وكونها من ضرورات المذهب الشيعي وامتداد ولاية الفقيه لتشمل كافة الشيعة بل والمسلمين في العالم كلّه، وليس داخل الحدود الإيرانية فقط، وهيمنة المرشد الأعلى الإيراني حتّى على غيره من الفُقهاء، وعدم إيمانه بولاية الفقهاء أو مجلس شُورى الفقهاء، أو صيغة تحدّ من صلاحياتها أو تعمل على تقسيمها([28]).
صفوة القول، تحوّل مشروع تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى بناء مجال هُويّاتي عابر للحُدود والدول والأوطان، مُمتدّ بامتداد المسلمين ومُتجاوز للسيادة الوطنية للدول العربية، مشروع هُويّاتي مُؤدلج ومُتمذهب يطرح نفسه في مُواجهة الادعاء بنهاية الأيديولوجيات متماهيا مع مُقاربة صدام الحضارات، وقد كشفت الصراعات الدامية في سوريا واليمن والعراق ولبنان عن النفوذ الإيراني المتزايد والمكشوف، وعن تشكّل هُويّات مذهبية طائفية تمتلك مليشيات مُسلّحة خارجة عن سلطة الدولة وموازية لها في نفس الوقت تُدين بالولاء والتبعية للخارج.
وبعد أن كان الطريق إلى القدس يمرّ بكربلاء ـ عند الخُميني ـ صار عند خلفه خامنئي يمرّ بكربلاء ومأرب وبيروت وصولا إلى دمشق “بتحويل إيران ولاية الفقيه نفسها إلى مركز الشيعة كلّهم في العالم وفي مُقدّمتهم الشيعة العرب. فقد جرى توسيع التأثير السياسي الإيراني عبر دعم أحزاب سياسية دينية (أو مذهبية شيعية)، فاختلطت الطائفية بالتديّن السياسي، ومعه الدافع السياسي لنشر المذهب([29]).
خاتمة:
توصّلت الشيعة الامامية إلى إنتاج خطاب قائم على مبدأ “ولاية الفقيه” وقد تمّ استعمال جملة من المباحث الكلامية واستثمار المرجعيات النصّية والحديثيّة لإقامة الدليل النقلي على ذلك وفق آليات التأصيل الإسلامي المعروفة لإضفاء القداسة والمشروعية لحكم “الولي الفقيه”.
فماثلت الدعوة الشيعية في بداياتها الدعوة السلفية حيث كفّر كلاهما النُظم الموجودة إضافة إلى رفضهما التعامل معها، وبقيت المُشكلة التّي تحتاج إلى حلّ على المستوى الفقهي هي الموقف من الحُكم في عصر الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر، فمركز الإمامة أو الخلافة ليس شاغرا بوجود الإمام الثاني عشر في الغيبة، وطبقا لذلك تنتفي شرعية الدولة.
هذا هو الرأي الفقهي الشيعي الذّي ذهب إليه أغلب الفقهاء قديما وحديثا خاصّة وأنهم اشترطوا في اختيار الحاكم القرابة من آل البيت والعصمة في أقواله وأفعاله، وتفرّع عن هذه الإشكالية اتجاهين عند فقهاء الشيعة:
ـ يذهب أصحاب الاتجاه الأوّل إلى عدم مشروعية إقامة حُكم إسلامي في عصر الغيبة الكبرى
ـ في حين يذهب أصحاب الاتّجاه الثاني إلى القول بمشروعية إقامة حكم إسلامي في عصر الغيبة مُستندين إلى ما اُصطلح عليه “بولاية الفقيه العامّة” ولهم في ذلك مباحث فقهية عديدة.
المثير للجدل هو أنّه بالرغم من التبنّي الرسمي الإيراني لنظام “ولاية الفقيه” لم يحظ الخطاب الولايتي بالإجماع في الوسط الشيعي، بل زادت الاعتراضات عليه من طرف الفقهاء والإصلاحيين الذّين يدعون إلى توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية والحدّ من صلاحيات المرشد الأعلى إضافة إلى فصل الدّين عن السياسة وجعل الولاية دّينية فقط.
هذا الأمر جعل المُواطن الشيعي يتخبّط بين حاكميّة النصّ الدّيني وإكراهات الواقع العملي الشيء الذّي ساهم في تهميش مفهوم الدولة الوطنية في التنظير السياسي الإسلامي السُنّي والشيعي لصالح مفهوم الأمّة، ومن يطّلع على النُصوص السياسية والأيديولوجية للإسلاميين يجد أنّ مفهوم الدولة هو الترجمة السياسية لمفهوم الأمّة كما يتصوّرونها في أدبياتهم.
وبناء على ذلك يحقّ للأمّة الإسلامية أن تتبلور وفق مُكوّناتها التاريخية أو الثقافية أو وفق موروثاتها الفقهية الدينية في دولة قد تأخذ شكل “دولة الولي الفقيه” في النصّ الشّيعي أو “الدولة الإسلامية” في النصّ الإخواني
أو بالعودة إلى الخلافة في بعض خطابات السلفية، فلم يتمّ بناء نظرية حديثة للدولة والمواطنة والمُؤسسات وتتداول السُلط وفصلها وإقرار الحقوق والحريّات العامة بقدر ما تمّ الاهتمام بالتنظير لكلّ ما له علاقة بالهُويّة والانتماء والأمّة والجماعة والوحدة والشريعة والأصالة والتراث والحاكمية والولاية والإمامة.
المراجع:
الكتب:
ـ أفلاطون، “الجمهورية’، ترجمة مينا خباز، مؤسسة هنداوي للنشر، ط1، القاهرة، 2017.
ـ بشارة عزمي، “الطائفة والطائفية والطوائف المتخيلة”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط 1، الدوحة، مارس 2018.
ـ الخميني آية الله، “الحكومة الإسلامية”، دار عمار للنشر والتوزيع، ط1، 1988.
ـ الدستور الإيراني الصادر في عام 1979، ترجمة المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات.
ـ مطر أميرة حلمي، “الفلسفة اليونانية: تاريخها ومشكلاتها”، دار ضياء للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، القاهرة، 1998.
المجلات والدوريات:
ـ أبو داود سامي، “مأزق الدولة الدينية في إيران: هل يحتضر نظام الملالي فعلا؟”، مجلة حفريات، جانفي 2020.
ـ بشير خالد،” كيف ينظر الفرس للعرب؟”، مجلة حفريات، 8جانفي 2020.
ـ عماد عبد الغني، “الانتقال المتعثر: الصراع بين التقليد والحداثة في إيران”، مجلة الدراسات الإيرانية، سنة 1، العدد الرابع، سبتمبر 2017.
ـ القدرات ماهر،” المسلم الشيعي من دولة الفقه الإسلامية إلى فقه الدولة المواطنية الحديثة، مجلة ذوات، العدد 30، 15جانفي 2020.
ـ القصير عبد الله،” حركة الاستنهاض عند الإمام الخميني قدس الله سره، يوم القدس أنموذجا”، مجلة بقية الله، العدد 132، 7نوفمبر 2016.
ـ مزاحم هيثم، “الدين والدولة في إيران: أثر ولاية الفقيه على السياسات الداخلية والخارجية”، مجلة دراسات إيرانية، سنة 2، العدد 5، ديسمبر 2017.
المواقع الإلكترونية:
ـ الحاجي ألفة، إيران تدفع ثمن حربها المتعجرفة ضد العرب، أخبار دبي، جانفي 2020 www.akhbaralaan.net
ـ الرميحي محمد، أين تكمن الأزمة الإيرانية الحقيقية؟، العربية، 13 جويلية 2019 www.alarabiya.net
ـ طاهري أمير، ما وراء الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، شبكة شام، 9 ديسمبر 2018 www.shaam.org
ـ الكبيسي وسام، الولي الفقيه ينوب عن إمام الشيعة الثاني عشر بموجب الدستور الإيراني، مجلة الخليج أونلاين، 25 ديسمبر 2015 www.alkhaleejonline.net
ـ مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، الحركات الاحتجاجية وأزمات النظام السياسي في إيران2018 www. Rasanah.iis.org
[1] ـ أنظر مقال بعنوان “الحركات الاحتجاجية وأزمات النظام السياسي في إيران”، نشر مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، جدة، 2018، ص ـ ص 22ـ23.
1 أمير طاهري، “ما وراء الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة؟”، شبكة شام، بتاريخ 9 ديسمبر 2018، www.shaam.org
[3] ـ أنظر موقع ويكبيديا ” الأقليات العرقية في إيران”، www.ar.wikipedia.org
[4] خالد بشير، “كيف ينظر الفرس إلى العرب؟”، مجلّة حفريات، بتاريخ 8 جانفي 2020، www.hafryat.com
[5] عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي” الوساطات الدولية لتسوية الأزمة الأمريكية والإيرانية ومستقبل نفوذ طهران الإقليمي”، المعهد العالي للدراسات الإيرانية، 2سبتمبر 2019، ص ـ ص 6ـ7
[6] عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي” الوساطات الدولية لتسوية الأزمة الأمريكية والإيرانية ومستقبل نفوذ طهران الإقليمي”، المعهد العالي للدراسات الإيرانية، 2سبتمبر 2019، ص7.
[7] أفلاطون “الجمهورية”، ترجمة مينا خباز مؤسسة هنداوي للنشر، القاهرة، طبعة1،سنة 2017 ص198.
[8] أميرة حلمي مطر، “الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها” دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط2، ،1998 ص329ـ330
[9] ماهر القدارات، “المسلم الشيعي من دولة الفقه الإسلامية إلى فقه الدولة المُواطنية الحديثة”، مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، العدد 60، 15 جانفي 2020، الصفحة 32
[10] محمد الرميحي، “أين تكمن الأزمة الإيرانية الحقيقية؟”،العربية، بتاريخ 13 جويلية 2019، www.alarabiya.net
[11] آية الله الخميني، “الحكومة الإسلامية”، دار عمار للنشر والتوزيع، طبعة1، 1988 ص 49.
[12] آية الله الخميني، “الحكومة الإسلامية”، دار عمار للنشر والتوزيع، طبعة1، 1988 ، ص35
[13] ـ أنظر المادة الرابعة من الدستور الإيراني الصادر عام 1979، ترجمة المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، ص8
[14] أنظر المادة الرابعة من الدستور الإيراني الصادر عام 1979، ترجمة المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، ص9
[15] أنظر المادة الرابعة من الدستور الإيراني الصادر عام 1979، ترجمة المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، ص15
[16] ـ وسام الكبيسي، “الولي الفقيه ينوب عن إمام الشيعة الثاني عشر بموجب الدستور الإيراني”، مجلة الخليج أونلاين، بتاريخ 25ـ12ـ2015. www.alkhaleejonline.net
[17] عبد الغني عماد “الانتقال المتعثّر: الصراع بين التقليد والحداثة في إيران”، مجلة الدراسات الإيرانية، السنة الأولى، العدد الرابع سبتمبر 2017، ص15.
[18] محمد الرميحي، “أين تكمن الأزمة الإيرانية الحقيقية؟”،العربية، بتاريخ 13 جويلية 2019، www.alarabiya.net
[19] عبد الله القصير، “حركة الاستنهاض عند الإمام الخميني ـ قدّس الله سره ـ يوم القدس أنموذجا”، مجلة بقية الله ، العدد 123، 7 نوفمبر 2016.
[20] ماهر القدارات، “المسلم الشيعي من دولة الفقه الإسلامية إلى فقه الدولة المُواطنية الحديثة”، مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، العدد 60، 15 جانفي 2020 ،صفحة 35
[21] ألفة الحاجي، “إيران تدفع ثمن حربها المتعجرفة ضدّ العرب”، أخبار الآن، دبي، جانفي 2020، www.akhbaralaan.net
[22] مرجع سابق
[23] ألفة الحاجي، “إيران تدفع ثمن حربها المتعجرفة ضدّ العرب”، أخبار الآن، دبي، جانفي 2020، www.akhbaralaan.net
[24] أنظر مقال “الحركات الاحتجاجية وأزمات النظام السياسي في إيران”، مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، ص 20.
[25] سامي أبو داود، “مأزق الدولة الدينية في إيران: هل يحتضر نظام الملالي فعلا؟”، مجلة حفريات، بتاريخ 7 جانفي 2020
[26] هيثم مزاحم،” الدّين والدولة في إيران: أثر ولاية الفقيه على السياسات الداخلية والخارجية”، مجلة الدراسات الإيرانية، السنة الثانية، العدد الخامس، ديسمبر 2017، ص22
[27] سامي أبو داود، “مأزق الدولة الدينية في إيران: هل يحتضر نظام الملالي فعلا؟”، مجلة حفريات، بتاريخ 7 جانفي 2020
[28] محمد سيد الصياد، “أزمة البيت الشيعي: موقف النخب الدينية من احتجاجات العراق ولبنان”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، بتاريخ 18ـ 11ـ 2019، www.rasganah-iiis.or
[29] عزمي بشارة، “الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة 1، الدوحة، مارس 2018، ص 55