الأوبئة بين معايير الحضارة الإسلامية ومعتقدات الحضارات العالمية

0 17

د. جمال الهاشمي

ما يزال العالم  يعيش هول الصدمة من هذا الفيروس الذي أعجز التعبئة العالمية العلمية وقضى على الكثير من الأطباء، حتى تزامن معه ضيف جديد يدعى “كوازاكي” مهمته  امتصاص دماء الأطفال ” ؛ كلاهما يدمران المستقبل، وما جمع بالظلمة تبدده النقمة فالطريق إلى المستقبل يقطعه الموت بمعنى هذه العبارة أشارت السنة النبوية في خطوط الأمل والأجل، ومع اعتقادنا أن فيروس كورونا ولد بالصدفة من صنيعة القوة العسكرية لتأسيس الاقتصاد الحربي أو من قوى الثروة، فإن صناعة الموت والموات من فعل المخلوق وما نعمة الحياة والحب والتعاون إلا من صناعة الخالق.
وقد كره الإسلام أجرتين: أجرة التعليم وأجرة الطب لأنهما من الضرورات الإنسانية وليست من وسائل الثروة، أي أن الوقوف عليهما قضية مجتمعية وتنموية عامة.
وبالطب والتعليم تعالج أعظم أزمتين مبددتين للمادية الحضارية والقيم الأخلاقية؛ علة الصحة وعلة العقل . حيث كانت هذه القيم سائدة في فترات النبوات الأولى وخلافة النبوة  وإسلامية القرون الأولى، ومع تداخل الثقافات الشعوبية تحول الطب والتعليم بالتدرج إلى مصدر من مصادر الثروة وانتهت رسالية الصحتين صحة العقل المشحون بالطاقات التعليمية والتربوية النفسية ‘ وصحة الجسم الموبوء بأوبئة المنتجات الصناعية.

في المد التحرري الأول استخدام القرآن كأداة من أدوات مناهضة الثقافات الإستعمارية ثم تحول مع الوقت إلى ثقافة وأناشيد ومستلزات وبنوك إسلامية وتحول الإسلام من قيمة سلوكية أخلاقية وحضارية إنسانية إلى ماركات حزبية وحربية وتنظيمية ومالية وتجارية وشركات طبية، ليس من صنيعة المسلم الواعي وانما من صنيعة المستهلك المتدين و المتأسلم السلبي وخصوصا شركات اللحوم المصعوقة بأنواعها والمحليات الصناعية المصنوعة بثقافة الوطننة أو المستورة ..

بل صار دخول الجامعات بتزكيات حزبية وحتى الوظائف العامة  المرتبطة بمجتمعات الجيتيوهات المنعزلة المتعددة الإيدلوجيات داخل المجتمعات المسلمة وقد أثرت تلك الجيتيوهات التنظيمية السرية على حيويتين اثنين:

  • الحيوية الحضارية ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وبهذا ابطل الثقافة الرسمالية التدميرية (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ)
  • الحيوية الأمنية (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) وبهذا أبطل الثقافة الفوضوية(ن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)

وعلى بعثتين:

  • البعثة الأخلاقية (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وبهذا أبطل الالفاظ الخبيثة والسلوكيات السلبية ( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ)
  • البعثة الأمومية : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا) وبهذه أبطل ثقافات الفرقة القطرية والوطنية (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)

ورسالتين :

  • الرسالة الإنسانية: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) والتي ابطلت الخصخصات الطائفية (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)
  • الرسالة  الرَحِميّة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) و التي ابطلت العرقية الثيوقراطية و أوصت بصلة القربى الترابية (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ)

وثقافتين:

-الثقافة الأمية العقلانية: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) والتي بها أبطل الثقافة الفلسفية السفسطائية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)

الثقافة الارتقائية: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء ) وبهذا أبطل الثقافة الوجدانية ( قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا)

بهذا الجوامع والموانع الحضارية انتشرت الثقافة الإسلامية كقوة حضارية أمنية وأخلاقية وإنسانية وتراحمية

 بالثقافة الأمية أي ثقافة الفطرة الأخلاقية؛ الماركة الخاصة بالحضارة الإسلامية تحول الإسلام إلى العالمية وبمتناقضاتها الطرفية السلبية تحول إلى أوبئة نفسية واستخباراتية

بالخصوصية الحضارية المنفتحة القائمة على المعايير الإلهية  وليس بالانفتاح القائم على المعايير التعددية  

وقد تفطن الغرب والشرق الأسيوي الرأسمالي لهذه الصنائع المتأسلمة أي ثقافة القومنة القطرية و الأسلمة السفسطائية  وأسسو ماركة حلال المشهورة التي تمتلأ بها مطابخنا ومطاعمنا وصنعوا الحجاب والبنطال الإسلامي بل وصدروا لنا النماذج الإسلامية فهذه الصين تقدم أنموذج الإسلام الإيغوري والهند تقدم أنموذج الإسلام القدياني وأمريكا تقدم أنموذج التدين النقبشندي وهناك الإسلام الفرنسي البهائي والإسلام النورسي والاسلام الأناسي والاسلام الحضاري وما يزيد عن ثلاثة وسبعين انموذجا مطروح على طاولات البحوث والنقاشات العالمية..

يخرج الوافد العربي المسلم من دار أمه الأمية بثقافة الفطرة ويعود من الجامعات الموفد إليها بثقافة الخرقة ويخرج رجلا ويعود ذكرا .. يغادر قيما ويعود أقنوم.. يرحل قواما ويعود قينانا يكون من قبل مقبلا ويعود مدبرا .. المرأة تغادر  حرة وتعود متحررة ..

إن سياسة التعليم وثقافة المؤسسات التعليمية المفصلة وفقا للمقاييس والمناهج التعليمية الوافدة أزمة محورية وهي علة الأزمات والمعوقات التنموية والفوضوية والأمنية المعاصرة وهي غير صالحة في ذاتها حتى تصلح غيرها وليس متطهرة حتى تكون قادرة على التطهير .. إذا فسد  التعليم فسدت الفطرة وإذا اعتل التطبب اعتلت  الأبدان..

   التعليم قيمة خيرية  وذلك الذي أقعدني” في جواب لجملة خبرية نبوية نحيله إلى صحيح البخاري، والطب قيمة إنسانية في ثقافة أبقراط الطبية، أن شرف التطبيب تظل مقدسة ما لم يتعلمها السفهاء؛وكأنه يقصد سفهاء الحروب البيولوجية وسفهاء الاستثمارات الطبية.. وبعد هذه الرؤية النقدية الاستباقية نتوسع في المذاهب الحضارية..
تذهب المعتقدات الدينية البرهمية ومعظم الطوائف النصرانية والزرادتشية والشنتوية اليابانية إلى أن الجوائح مصدرها غضب الآلهة كردة فعل مقايضة لفعل الإنسان الذي خالف معتقدات الطبقة الإلهية المقدسة أو خرج عن إله الأرض أبن السماء الإمبراطور المقدس ، وهذه برمتها معتقدات طبقية وسياسية تكرس ثقافة التفاوت الطبقي وتفاوت الأجناس وتثقرط استعباد الشعوب بمفهوم الطاعة السياسية الجبرية للإله السياسي أو ابن الإله المنتخب، ابن الإله المحتجب، والغاية من ذلك الحفاظ على الوضع التاريخي السائد الذي يمكن تفسيره بجملة صوفية واحدة ” أقم حيث أقامك “، وهذه المعتقدات يغلب عليها الطابع الفلسفي الثيوقراطي وقد سادت في اليونان وبدرجة أكثر حضورا في الثقافة الرومانية الوثنية والمسيحية.
وتعتقد الكونفوشيوسية أن المعاناة سببها الإنسان ولا سبيل من انتشالها إلا بالأخلاق واقتفاء الحكمة والبعد عن الأديان واحترامها، وتنصب نفسها في المجتمعات كحركة إصلاحية وليست دينية وقد كانت من أهم مراجع التصور الإنساني داخل المجتمعات الأوربية
أما طوائف البوذية فترى أن الاوبئة من نتائج الجشع و التصارع الإنساني الدنيوي والنظم العسكربة الفاسدة والطبقيات المنتحلة و والمعتقدات المنغلقة بتفننهم في استخدام  القوة للإكراه والسياسات التعليمبة في التجهيل  و السيطرة على ارادة الإنسان بإحجاب عقله وفصله عن مدركاته، وتتمحور أول رسائلها التحررية بالدعوة إلى إيقاف المعاناة الإنسانية وذلك بمحاربة الجهل والصراعات المادية والحضارية والترف والهوى والرذيلة بمساعدة الناس والترهب والزهد.
وتعتبر أول فلسفية دينية متحررة زاوجت بين فلسفة التنوير والفضيلة والحكمة والتأمل وهي التي غيرت معالم أوروبا فيما يعرف بفلسفة الأنوار وتأثرت بها حركة الاحتجاج البروتستانتية كما تتميز بالعقلانية والرياضة والرهبنة والتاريخية.
وهناك من المعتقدات من ترى أن ذلك فعل الإله “يهوه” انتقاما من البشر المعادي للقومية اليهودية وهذا في غالب الطوائف اليهودية والبروتستانتية وهنا تتجلى ثقافة المظلومية التاريخية سواء كانت بهجرات الطوائف الأصولية الإنجيلية المضطهدة إلى أمريكا أو فيما يتعلق بيهود الشتات.
وهناك المعتقدات الطاوية والطبيعية بشكل عام فيرون أن سبب ذلك يرجع إلى غضب الآلهة الطبيعة بسبب مخالفة الإنسان لقوانينها ومن هذه القوانين نشئت معتقدات أخرى كالمعتقدات العلمية الأوروبية مع سيمون نبي الأدوات التجريبية، وعنها نشأت المعتقدات الطبيعية الأوربية المدافعة عن البيئة والحيوان التي ولدتها الرذائل الإنسانية، حيث تدعو إلى التغذية الطبيعية دون تدخلات كميائية وتحارب استغلال العلم المخالف للإرادة الطبيعية في استغلال مخلوقاتها واستغلال الحيوان واعتباره من مصادر الثروة لأن ذلك يتنافى مع مبدأ المساواة في حق الحياة.
ويعزو القرآن الجوائح كلها إلى صناعة الإنسان “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” وأنها ليست من فعل الإله مع علمه بذلك وهذا من كمال ألوهيته والشر ليس إليه وإن كان خالقه وخالق كل شيء.
وفي القرآن ما يفسر المنن الإلهية “و إذا مرضت فهو يشفين” فالمرض ليس من الله كما يفهم من خطابه بل من فعل الإنسان وكسبه، أما الشفاء فهو من الله، والله هو الطبيب والإنسان هو المتطبب والله منه الدواء لأنه خالقه.

وبعيدا عن السياسة التي تحتاج إلى مقال محاكمة ومرافعة وإدانة وتحليل فإن هذا الوباء فعل إنساني منحرف عن الطبيعة الإنسانية والأخلاقية والدينية والأمانة العلمية ووسيلة من وسائل الحروب الدينية التي تنبأت بها اليهودية والبروتستانية والبرهمية والطاوية والمعتقدات الطبيعية ونظرية مالتوس؛ حيث يؤكدون على أنه سيموت بالوباء أضعاف ما يموته الناس بالحروب، وذلك لأن توسيع دائرة الصراع ذو كلفة اقتصادية، بينما انتشار الأوبئة ذو معادلات طبيعية وسياسية، لأن العبيد  من معطيات الطبيعة والآلهة القومية لجنس مصطفى من البشر، وأن الوباء والصراع جاء ليعيد توازن العلاقة بين أهل الله ومعطياته حتى لا تتعرض النخب الالهية لوباء التكاثر العبودي المنبوذ .

ومع هذا فإن طبيعة المعتقدات متأقلمة في فلسفة الانتحار الجماعي وقد صرح أحد مؤسسي الصهيونية أن الفضيلة والعدالة تقتضي أن يموت نصف اليهود ليعش النص الآخر. فلا يذهب الكثير من بشرية الترقب المنبوذون أخلاقيا في دونية التشفي الأخلاقي وانتظار النصر السماوي دون شروطه الواقعية.

فإن أمريكا آلة الحرب والتدمير ، وآلة الوباء والثروة والقوة، هي نفسها صانعة الحضارة والتنمية، وصانعة الطب والأدوية، وصانعة الشر والقيم والديمقراطية و العالمية ، وهي الدولة التي اجتمعت فيها منبوذو العالم مع أنهم لا يفون لبعضهم وفقا لفلسفة هنري كسينجر القائل أنها ليست صفة جينية وإنما صفة دينية تربوية أخلاقية وتاريخية.

لهذا فإن وقوع أمريكا في أزمتها الأخلاقية يتناسب نفسيا مع معتقدات البروتستانتية واليهودية وقناعتهم بإهلاك نصف مجتمعاتهم وأقربائهم من أجل بقاء النصف الآخر، وتلتقي في هذه المظلومية التشظئية ثلاث لذات مزدوجة: لذة المعاناة والقوة، ولذة الزهد والثروة، ولذة الحياة والتضحية.

كل تلك المقدمات وغيرها مما سكتنا عنه تؤكد أن كوفيد 19 من صناعة مراكز البحوث البيولوجية والجرثومية والشركات الاقتصادية وشركات التسمين الحيواني، ومن صنائعهم انفلونزا الدجاج الأبيض، وانفلونزا الخنازير، أي أنه من أهم منتجات التهجين والتسمين الحيواني ومن أهم مفاسد الاستهلاك والمنتجات الحصاربة الرأسمالية.
كما أن سائر الأمراض السرطانية والسمنة والسكر والسمية وضعف المناعة والحساسية من صنائ الجهل والاستثمار والثروة.
ولهذا يؤكد الخبراء أن فيروس كورونا سيصحبنا حسب ما يريد، ولن يكتفي إذا ارتفع بل إن له ثلاث موجات متوالية سيأتي وفقا لأرصادهم العلمية بموجة أعتى من هذه في السنة الشتوية المقبلة، لكن بدرجة أكثر وحشية، وسيكون في جغرافيات محددة ربما قارة آسيا والشرق الأوسط لتجفيف الكثافة السكانية والجار بالجار يشقى ويسعد.
وتزامنا مع مرض كورونا الذي أطلق عليه الفيروس الصيني فإننا نحصد مرضا جديدا .. له تسمية أسيوية يعتقد أنه ماركة يابانية العملاق الصغير أو الدولة التي تحاط بالقواعد الأمريكية، ويسمى “كوازاكي” وعدائيته نحو الأطفال ، ومع أن فيه جزء من خصال وطبائع “كوفيد 19 ” المدمرة والقاتلة إلا أنه يركز على القلب بدرجة أساسية والكلى والكبد إضافة إلى جهاز التنفس، وقد شهدت بعض مناطق فرنسا تفشيا بين الأطفال حيث ينام أكثر من عشرين في العناية المركزة، وهو ما دفع بالسلطات الفرنسية إلى تأجيل الدراسة في محل انتشاره والتراجع عن تخفيف قيودها خلال هذه الشهر.
وخلاصة ما أتت به المعتقدات وفعل الإنسان فإننا نحتاج إلى جرعات من القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية والتنموية الخصوصية مع التسليم المطلق والعمل بالأسباب والإقرار بأن ما يصيبنا هو بفعل أنفسنا .


رئيس مركز الإصباح للتعليم والدراسات الحضارية والاستراتيجية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.