إضاءات من أجل تحسين التعلم وابتعاثه

0 17

د. التار عبد الله

أستاذ الشريعة في جامعة العين

يبدو رصد مكمن خلل التعليم في عصرنا الحديث عصيا على الدارسين، لهذا اختلفت وجهات نظرهم تبعا لمتصوراتهم المنهجية.

يكاد يجمع أهل التعليم على تأخر التعلم وضعف مهاراته في عالمنا العربي عكس ما عليه التعلم في الغرب، لكن لا أحد يريد أن تلصق به التهم التي تترنح قضية التعلم والتعليم. فالآباء يشكون ضيعة الجيل إلى المدرسة الحاضنة، والمشرفون يردون الحسرة على الإدارة الوصية لتقاعسها في تنفيذ البرامج ذات النفع، والإدارة بدورها ترجع ذلك إلى الأسرة مهد تربية الأطفال، وبين ذا وذاك من يجعل القضية أكبر وأعمق من لصقها بجانب معين، لأنها في الأساس قضية دولة وأمة.

ولكي نعيد للتعليم ألقه وبهجته ـ في نظري ـ يجب إعادة النظر في جملة من الركائز الأساسية للتعلم. وتلك هي: المنهج، المدرسة، الأستاذ، الأسرة.

فلا أحد ينكر تدني مستويات المتعلمين في وطننا العربي رغم الجهود المبذولة من طرف بعض الدول، وأسرة التعليم أدرى بما آلت إليه مسألة التعلم، إذ تعلم تفاقم المأساة التي تنخر جسم العلم سواء تعلق ذلك بالأستاذ المدرس، أم بالتلميذ المتمدرس. وإذا انطلقنا من أن المسألة معقدة تحتاج حلولا جماعية تشارك فيها أطياف المجتمع كلها باعتبارها الراعي الشرعي لمصلحة الوطن الذي يعيش فيه الجميع تحت راية واحدة لكي تتفتح أبواب المعرفة وتسد نوافذ الجهل، فالمجتمع المتعلم جدير بأن يصنع لوطنه سبل الازدهار على جميع الأصعدة الإنسانية.

وهنا أشير إلى أهم المرتكزات التي لها دور في تحسين الأداء التعليمي، والأخذ به إلى الرقي ومواكبة المستجدات العصرية، والحد من تفشي الفوضى ذات المخالب المهلكة للحرث والنسل.

ــ مشاركة الأساتذة والمعلمين في طرح المناهج التربوية، ذلك أن كثيرا من مناهجنا مقتبس من غيرنا وأحيانا يكون ترجمة رديئة لمتصورات غيرنا، وهذا أمر بالغ الخطورة يجعل فجوة كبيرة بين المادة المدروسة والتفكير البدائي لدى التلاميذ، لأنه لا يوجد جامع بين الاثنين ــــ المادة ومتصور الطفل ـــ في الموروث الذي تربى عليها الأطفال، الأمر الذي جعل استلهام المادة مناط الثريا من التلاميذ، وقد أعان على ذلك إقصاء الأستاذ المدرس من رسم الخطط والمواد المدروسة، حيث يستدعى بعض التربويين لطرح المنهاج التربوي، ظنا من الإدارة أن أولئك هم أهل المناهج الفريدة، والحقيقة أن المعلم المزاول لتدريس المادة، العارف بأحوال التلاميذ ينبغي أن يكون صاحب المنهج إن لم يكن في كتابة الكتاب المدرسي، فليكن في توجيه الطلبة في القسم، إذ يرى ما لا يبصره التربويون، لأنهم أصحاب نظرية قد لا تتجسد على الواقع للاعتبارات متعددة، أما المعلم فهو أدرى بما يسهم في إنجاح تفهيم الطلاب لقضية التعليم لأجل ذا يكون الأجدر إسناد المنهج إليه، طلبا لتخفيف المؤن على التلاميذ. .

ــ إشراك الآباء في بعض مشاق التعلم، يعني ذلك أن الآباء جزء من المنظومة التربوية، فعليهم أن يسهموا في حث أولادهم على اكتساب التعلم، والتفاني في الجد والتحصيل، فالأبناء المحاطون بسور الرعاية كثيرا ما يرفعون راية الوطن خفاقة نحو القمة إبداعا وازدهارا. أما الفاشلون في التعلم فغالبا ما يكون فشلهم راجعا إلى رداءة حضانة الآباء لمسألة التعلم. إذ نراهم لا يعطون قيمة للتعلم، فالأبناء يذهبون طَوال السنة إلى المدرسة جيئة وذهابا دون استشعار لقيمة التعلم في أجواء البيت، فلا الآباء اطلعوا على مستويات الأبناء العلمية، فحصا عن مكامن الأخطاء ليضمد الجرح، وتنقيبا عن شذرات الإبداع ليشدوا من أزرهم كي يحققوا آمالهم. 

ولما أهمل الآباء واجباتهم تجاه فلذات أكبادهم، وشاهدوا ما آل إليهم أمرهم ضاقوا ذرعا من فشل أبنائهم، فحمّلوا المدرسة كل شيء، وهذا خطأ جسيم ينبغى للأسرة المدرسية عدم السكوت عليه والتبرؤ منه ، لأنه يمس من جنابها، ويطعن في مصداقيتها ، لهذا عليهم تنبيه الآباء على دورهم الفعال في تحقيق  جودة التعليم إن هم أحسنوا في رعاية التلاميذ في البيوت.

صفوة القول إذا أن مسألة التعلم تحتاج إلى تضافر جهود مجتمعية تتجاوز جغرافية المدرسة مرورا بالأسرة المربية باعتبار أن الطفل يقضي أكثر وقته في البيت، فشرارة الإبداع تنبت في البيت الأسري، ثم تنمو وتثمر أزهارها في المدرسة بفضل التعاون المستمر بين ذوي الطفل ومحيطه المدرسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.