أثر اقتران الصورة مع النص في التعليم.

0 22

       الباحثة: نور علي الرماحي

إن الحديث عن الصورة كوسيلة تواصلية بين الإنسان ومحيطه الخارجي من ناحية، وكوسيلة تعليمية من ناحية أخرى يعني إننا نتحدث عن تاريخ الإنسان؛ لأنَّها ولدت معه يحاكي بوساطتها نفسه؛ ليشحذ هممه للانتصار على العالم الخارج الذي يُعدُّ الانتصار عليه أهم وسيلة من وسائل البقاء، فالصورة وثيقة مهمة من وثائق الماضي السحيق، ابتداءً من الصور المرسومة على جدران الكهوف إلى الكتابة المرسومة، والتي يطلق عليها (الكتابة الهيروغليفية) إلى أن توصل الإنسان إلى اكتشاف وسائل تواصلية أخرى، أهمها الكتابة الخطية، فالإنسان صانع مبدع بالفطرة، وبهذا ميَّزه الله تعالى، وهذا يدفعه إلى التنبه للأشياء بشكل أو بآخر، وتقليدها والبحث عن ماهياتها وصولًا إلى تفسيرها، ومن ثَمَّ الاستمتاع بها وإخراجها بشكل جميل ولافت للنظر، ولو طبقنا هذا على هرم (ماسلو) للحاجات لوجدنا الحاجة الجمالية في أعلى الهرم؛ فالإنسان البدائي لا يعرف الفن إنَّما تنبه إلى وجوده ومن ثَمَّ سار إلى استحصاله، وذلك عن طريق طبع أقدامه في الرمال أو الطين، وكذلك طبع كفه الحمراء الملونة بدم الحيوانات التي يصطادها على جدران الكهوف من هنا بدأ يتنبه على رسم الأشياء، وتلوينها كما إنَّه كان يخط على الأرض بغصن الشجرة، وهنا وجد خطوطًا عفوية رسمت في مخيلته تفاصيل أخرى أحالته إلى خطوط منتظمة قصدية، ومن ثَمَّ بدأ يعبر عن أشياء أخرى في حياته اليومية، كانتصاراته على الحيوانات وهو بذلك سعى إلى الإعادة إنتاج ما يراه وينقله من المستوى الطبيعي إلى المستوى الشعوري الذاتي، فقد احس بوجود إمكانيات مضمرة يمكنه توظيفها في حياته اليومية بما تحمل له من فوائد كثيرة، ولربَّما تكون حالة الرتابة التي كان يعيشها الإنسان الحجري دفعته إلى الاهتمام بالرسم بعدّه تنبهًا إلى شيء جديد في حياته اليومية، فالمحاولات الأولى التي قام بها الإنسان كانت عبارة عن نقل للأبعاد المرئية وقد كانت أقرب إلى النسخ ومن ثَمَّ توصل إلى وجهات نظر أخرى انتقل فيها إلى ثنائية الأبعاد ومن ثَمَّ إلى ثلاثية الأبعاد، وبذلك يكون ارتباط الإنسان بالصورة ليس شيئًا جديدًا؛ إنما هو ارتباط روحي مما جعلها وصيلة تواصلية أولى مع محيطة الخارجي، وإنَّ الصورة لا يمكن أن تمثل الواقع المحض كما هو أي إنَّها لا يمكن أن تكون مرآة للواقع، إنَّما تكون مشحونة بأفكار وميول مبدعها، لتأخذ بمخيلة المتلقي إلى عالم أخر اكثر جمالًا لما فيها من الأثر النفسي التفاعلي واذا ما حاولنا توظيف ذلك الأثر في التعليم لوجدنا استجابة كبيرة لا تقل شأناً عن النص المكتوب، ولربما كانت افضل منه في المراحل الدراسية الأولى، إذ إن ارتباط التعليم بوسيلتين تواصليتين احدهما لفظية والأخرى غير لفظية تثيران جميع حواس الطفل، فهو (يرى الصورة وينطق بالنص فيسمع صوته ويلمس الصورة باليد متتبعًا نصها) مما يجعل التعليم اكثر ثباتًا على مر السنين، فانطباع الصورة المرئية في الذهن يحفز الدماغ على الاستذكار وبالتالي يتحقق الهدف التعليمي المنشود، فترتبط الصورة مع النص الذي انبثقت منه أو التي تمثل مصداق له، وهذا يمكن حسمه من خلال وظيفة كلٍّ من نصفي المخ عند الإنسان (الأيمن والأيسر) إذ إنَّ الأول خاص بالمهام الأساسية في إنتاج وإدراك الصور والنصف الأيسر يقول بالمهام اللغوية من حيث الإنتاج والفهم اللغوي, بمعنى آخر إنَّ الله سبحانه وتعالى وهو أعلم بخلقه جعل مناصفة بين الصورة والنص ذلك لأنَّ الصورة تؤدي إلى إنتاج نص في المخ من أجل تكامل الفهم وفي الوقت نفسه النص يتبلور إلى صورة ليفهم من قبل النصف الآخر ومن ثَمَّ فالفهم المتكامل للمعلومة لا بدَّ أن يكون كاملًا في المخ ليكون فهمًا صحيحًا ومتكاملًا، وبالتالي فهو يأخذ تلك الصور المتجمعة في الذاكرة ويترجمها إلى نصوص أخرى تحاكي العالم الخارجي الذي يعيش فيه والعكس صحيح فانه يأخذ النص ويصنع منه صورة مشابه له ومستسقاة من اقتران الوسيلتين التواصليتين، واخص بالذكر في المراحل الأولى في التعلم إذ إن الحصيلة اللغوية لدى الطفل تكون اقل بكثير من الحصيلة الصورية، لأنه في اللحظات الأولى من حياته يرى أمامه صورًا يتدرج في التعامل معها من خلال ردود أفعال الآخرين عن طريق الأصوات من دون النطق بالكلمات، وبمعنى آخر فان الصورة تعد وسيلة تواصلية لا يمكن الاستهانة بها قبالة الوسائل التعليمية الأخرى كونها أول وسيلة تواصلية من المجتمع الخارجي سواء في مرحلة الطفولة أو في حياة الأنسان البدائي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.