اليمن بين الاستراتيجيات الدولية والقدرات المحلية
لدولة التي لا تحظى بقوة فكرية أو قوة تأثير ايدلوجي تلجأ إلى استخدام القوة،
مضى على حرب اليمن سنوات وهي تسير وفق تصورات خارجية رسمت معالمها لتغيير الجغرافية الديمغرافية من داخل اليمن والجغرافية الثقافية والاقتصادية والسياسية لمنطقة الخليج العربي..
بمعنى آخر أن عناصر التأثير في إدارة اليمن تأتي عبر أنساق وظيفية متكاملة :
– نسق وظيفي مباشر.. ويمثل الدائرة الأولى وتتنوع مواقفها بحسب مصالحها، وتكيفها مرتبط بالمصلحة ويدخل ضمن الخطط التكتيكية إذا كان الفرقاء متناقضون فكريا وعقديا وعرقيا.
– نسق وظيفي شبه مباشر .. وينطلق من الأهداف الإقليمية ويمثل الدائرة الثانية ويتكون بين منهجين:
1- منهجية الدفاع عن الذات: وللدفاع عن الذات طريقان:
- طريق الاسترضاء: ومن مؤشراته تغيير المبادئ أو الظواهر وقبول المؤثرين والتزام الحياد والسعي نحو التقارب وتوسيع دائرة العلاقات العسكرية الدولية على مستوى الجغرافيا والتدريب والعمليات القيادية المشتركة إضافة إلى التكنولوجيا والعلاقات الشخصية وأدوارهما، والانفتاح الشعبي العشوائي، وتوسيع دائر التمثيل الدبلوماسي على مستوى القيادات العليا، وهذه الطريقة مدمرة لأي بنيان وطني لأي نظام سياسي قد يشكل خطرا في المستقبل على الدول المهيمنة عالميا أو إقليميا، لأنه خالف الأعراف الدبلوماسية من جهة، وكشف البنى العسكرية والأمنية.
وإذا بحثنا عن واقعنا الدبلوماسي وقراراتنا الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط سنجد أن الحرب العراقية – الإيرانية ساهمت بإضعاف الدولتين من خلال خلق آليات المنافسة بينهما على القياد الإقليمية في المنطقة، وصراع الأفكار الايدلوجية من جهة ثانية، فالدولة التي لا تحظى بقوة فكرية أو قوة تأثير ايدلوجي تلجأ إلى استخدام القوة، وهذا ما حدث مع العراق الذي خاض حرب الثمان سنوات مع إيران، وبنفس السياق يحدث في أي دولة تجد قوة فكرية محلية منافسة لأيدلوجية النظام السياسي، وقياسا على ذلك فالدولة المتخلفة تنمويا أو الرعوية تتجه نحو تضخيم قدراتها العسكرية..
لأن الصراعات السياسية والثورة الشعبية تبنى على مصدرين، الفكر أولا، والتنمية ثانيا، والإعلام دون آليات فكرية واستراتيجيات زمنية يتحول من الدفاع عن الذات إلى هدمها، ومن إخفاء توجهات الذات إلى انكشافها، وتلجأ غالبية الدول إلى توظيف الإعلاميين وإهمال الفكر الوطني، أو صناعة إعلامية الفكر الاستراتيجي.
وإذا حددنا مصادر الإعلام الخادمة لاستراتيجية الدولة سنجده متنوعا، ومنه ما محدثا وما هو أصوليا، ولكل آلية فئاتها المستخدمة، وأسوأ أنواع الإعلام الذي يدمر الذات إذا أصبح منهجا للدولة هو إعلام التواصل الاجتماعي، والترفيه بثقافة الآخر وبمنهجية التقليد، وتلعب السياحة دورا آخر من خلال البيانات الرقمية لحجم الظواهر الموجودة كالأمراض الجنسية، كما أن دراسة حجم البطالة له دورا مهما في معرفة هشاشة إدارة الدولة وضعفها.
- طريقة الاستقواء: هذه المنهجية تعد من أهم الاستراتيجيات الوطنية لأي بلد مستقر أو قادر على الوقوف في مواجهة الأزمات، ويبدأ من الذات من خلال تنمية القيم الوطنية برؤية فكرية أو فنية تجسد المفاهيم الإنسانية، وغيرها من الأدوات التي تؤسس لفكر مختلف في الوسائل مجمع على المسائل.
2- منهجية الاحتماء: أو حماية الذات، وهو التسليم الأمني المطلق لقوى خارجية مؤثرة إقليميا ودوليا، وتلعب المصالح أدوارا مهمة في مفهوم الحماية، وتحظى دول الوفرة الاقتصادية، أو دول الجيبولتيك بأهمية القوى العظمى والكبرى والمؤثرة إقليميا، وتتفاوت مراتب الأهمية بالكم والكيف، والمخاطر، وتقيم التكاليف بناء على تقييم المخاطر، وهنا توازن الدول العظمى بين تكلفة المخاطر والمصالح الاستراتيجية، وتأتي دراسة القدرة لتنظم العلاقات الدولية والعمليات العسكرية والمكاسب الاقتصادية، وهذه من المسائل المعقدة التي لا تخضع للرأي أو للثقافة المعلوماتية أو البيانات المدونة، بل تعتمد آليات حسابية معقدة ومدروسة قبل اتخاذ أي قرار استراتيجي قد يشكل تهديدا أمنيا أو ثقافيا على المدى البعيد أو المتوسط أو أما القريب فيخضع للمرحلة والتكتيك وقد يتطور ويتحول من التكتيك إلى الاستراتيجية ، هذا بالنسبة للدول التي تقدم الحماية.
أما الدول المستفيدة من الحماية فلها وجوه متعددة، منها أن تكون دولة منمنمة لا تتمتع بصفة الدولة القومية الحديثة من حيث السكان والفكر والجغرافيا والثروة، وهذه الدول لا تشكل خطرا على المصالح الدولية، وسهلة الانقياد لأي قوة تمنحها الحماية وتقاس أهميتها بحجم ثروتها أو بدورها، وموقعها العسكرية، ونعنى بالدور قدرتها على استثمار ثرواتها في اقتصاد المصالح الدولية فكريا واستخباراتيا، وبقاء الحماية مرهون بالعوامل الثلاثة، الفكر وقدرتها على تغيير الخارطة الثقافية، ويلعب نموذجها المثالي الأمني والترفيهي دورا مهما في تدمير الدول الكبرى التي ليس بإمكانها خلق النموذج التنموي المشابه لها، ولهذه الفوارق دورا أساسيا في توجيه الثورات الشعبية في الدول المستهدفة.
وتخضع الدول الكبرى لتكاليف حماية أكبر منها الهيمنة الاقتصادية على السوق والأوراق النقدية، وكذلك المشتريات العسكرية في السلم أو في الحرب الذي يضمن فناء المشتريات وتدميرها، بينما يقنن بيع الأسلحة إذا ارتبط بالطموحات الوطنية للدولة لأنها بذلك قد تسعى للتحرر من الهيمنة وتستعيد السيادة. أما الدول التي تسعى للحصول على استخدام النووي المستخدم للأغراض السلمية فتقاس بموقعها وحجمها وقدراتها، وبذلك يدرس مخاطر ذلك إذا خرج عن السيطرة.
إن دعوة الأمير محمد بن سلمان لإنشاء التحالف الإسلامي أو التحالف العربي شكل تهديدا لمصالح الدول العظمى، وزاد من حطورتها أنها اتخذت عدة حطوات إجرائية بدأت بضم باكستان ومفاوضات أخرى مع دول أسيوية ثم تلاشت فكرة الإسلامي إلى العربي، وقد أثارت حفيظة العالم الساسي والدول العظمى، مما أدى إلى اتخاذ عدة تدابير إعلامية ودبلوماسية وجغرافية أدت إلى تفكيكها ويرجع فشلها إلى أنها بدأت من الطرح الإعلامي في سياق مختلف عن سياقتها المنهجية، فالإعلام هو ترجمة للنجاحات أو للدفاع عنها أو للتضليل أو التعبئة وليس لصناعة الاستراتيجيات أو إدارتها وهذا خلل وظيفي.
هذا الفكرة تعد من أخطر الاستراتيجيات، ولها أدواتها الخاصة، واعتباراتها الجغرافية، وتحدياتها الفكرية والنفسية والثقافية واللغوية والسياسية والاقتصادية، إلا أن تصريح الأمير بالدعوة إليها أعاد في الفكر الغربي قيادة المملكة الاقتصادي والديني للحروب العسكرية مع روسيا في أفغانستان.
وإذا حركنا التاريخ قليلا قاربنا بين دعوة الملك عبد العزيز لإقامة جامعة عربية، وبين دعوة الملك محمد بن سلمان للتحالف الإسلامي ثم العربي، سنجد أن الدعوات من شخصيات مؤثرة سياسية لم تكن مبنية على رؤية واقعية، واقع العالم العربي أولا أو الإسلامي ثم الواقع الدولي، ومن هنا كالتوصيف الدولي لكليهما بالتأثير، والتأثير بالمفهوم الاستراتيجي يعني خطورتهما..
ومن ثم أعلنت بريطانيا لإقامة جامعة الدول العربية لقطع الطريق على دعوة عبد العزيز وتدمير طموحاته العسكرية التي هددت مصالح بريطانيا في العراق والشام.
أما التحالف الذي دعى إليه الأمير محمد بن سلمان فقد تعرض للتفكيك وكان للدبلوماسية الأمريكية الدور الأبرز في تحديد مسارات دول التحالف، ومن خلال دبلوماسية سفارتها في الدول التي أعلنت المشاركة في التحالف، كما كان الطموحات النفسية والمسلمات الفكرية لقادة الدول تعضد مسارات التوجه الأمريكي، إضافة إلى أن دولا قد تشارك في التحالف لضمان استمرار دورها وتأثيرها في المنطقة كضرورة أساسية لاستمرار بقائها، ومن ثم وظف الإعلام الغربي- العربي قضية جمال خاشقجي لإزاحة الأمير بن سلمان من ساحات التأثير.
وبدلا من استخدام استراتيجيات جديدة لإعادة مساحاته التأثيرية، ساهمت عوامل أخرى في أزاحته عن المشهد العالمي والعربي باتجاه الداخل السعودي..
والفرق في النتائج أن الملك بن عبد العزيز استطاع أن يحقق مكاسب إقليمية ودولية من خلال الموازنة العفوية بين المصالح المكتسبة، ومخاطر التوسع في مناطق النفوذ البريطاني في المنطقة، وقد بنيت رؤيته على الأفكار، وليس على المصالح الاقتصادية، إنما تطورت السعودية اقتصاديا بعد استكمال دولتها التي لم يكن فيها مطمعا اقتصاديا.
– نسق وظيفي غير مباشر.. وينطلق وفقا للتوجهات الدولية ومصالحه الجيوسياسية والاقتصادية..
– نسق وظيفي مهيمن… ويحاول استغلال أو مواجهة النسق الثالث من خلال النسقين السابقين..
وبما أن اليمن هي محور الأزمة إلا أن أطرافها الداخلية تعاني من عدة أزمات:
– أزمة ثقافية: وهو الذي أضعف منطقيتها السياسية على المستوى الدولي الإقليمي والمحلي.
– أزمة إدارية: وهو الذي أضعف شرعيتها الجماهيرية.
– أزمة قدرة… وهو الذي أضعف شرعيتها الوظيفية.
– أزمة رؤية… وهو الذي جعلها متعددة التوجهات ومتقلبة في قراراتها السياسية بين الواقع واحتياجاتهن والتوجهات الإقليمية ومتطلباتها.
ومن مؤشرات ضعف الحكومة الشرعية:
1- ضعف القدرة الدبلوماسية: وإن فقدان شرعيتها انعكس سلبا على إدارة ملفات الأزمة مع المبعوث الأممي أو السفير الأمريكي في اليمن، وضعف القدرات الدبلوماسية لسفارات الدولة، وفشلها في بناء العلاقات الدبلوماسية الخارجية، و لم يميز السفير بين وظيفيته الدبلوماسية ومقاصدها، والوظيفة الصحفية، وأن الأولى تحتاج منه إلى رؤى وخطط واستراتيجيات. بينما الثانية آلية تأثير وتوجيه وتعبئة يوظفها الصحفي من خلال تتبعه الظواهر أو حصوله على المعلومات التي يعد الدبلوماسي أحد مصادرها، مما أفقد هيبة الدبلوماسية اليمنية واضعف منطقيتها لعدة أسباب منها:
– ضعف القدرة الأكاديمية والخطط الاستراتيجية.
– غياب الرؤية الوطنية لعدم وجود خارطة منهجية تستوعب المتغيرات ومستوياتها.
– عشوائية الخطاب الدبلوماسي واضطرابه كانعكاس حتمي لضعف الرؤية الكلية والقدرات المنسجمة مع احتياجات المرحلة.
– تعدد النفوذ داخل السلطة الشرعية وتباين مواقفها المحلية والدولية .
وبدلا من حل إشكالية الأخطاء السابقة عملت السلطات الشرعية على تكريس الأخطاء التي كانت سابقة وسبب من أسباب الثورة في اليمن منها:
– تشكيل مجلس أمن قومي بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في العهد السابق، وهو السياق ذاته مع السلطة الشرعية.
– توظيف المعتقدات في الصراعات الوطنية، وهو ما أدى إلى تشكيل جهويات جديدة للصراع العقائدي بإدارة السلطة الشرعية وتعدد نفوذها جهويا على أسس جغرافية.
– السماح للأحزاب والمنظمات الدولية من إقامة العلاقات الدولية وهو ما يتناقض مع مبادئ الوطنية ووحدة القيادة والتمثيل الدبلوماسي بها أو بالنيابة.
– السماح بتشكيل معسكرات شخصية تابعة لشخصيات ونفوذ قبلية وعسكرية.
– تغييب سلطة الدولة الإدارية والقضائية والتنموية في مناطق القبائل اليمنية .
– غياب الرؤية الوطنية في كل مجالات اليمن على مستوى التعليم والإدارة والمؤسسات الحكومية كمؤسسات قدوة .
2- ضعف القدرة التنموية: ويرجع إلى أن فشل الموظف العام وغياب ثقافته المؤسسية ، وضعف القدرات التنموية التي يجب على كل رأس في الدولة أن يكون لديه وعي اقتصادي أو مؤسسة تدعم ضعفه في هذا الجانب برؤى اقتصادية.
ما هي أهم الاستراتيجيات التي تعيد اليمن وفق رؤية ….. ؟
أولا: نوظف المنطلقات، وبحسب المنطلقات: يجب أن نبرزها بصورة أكاديمية وبدعم إعلامي ممنهج ضمن خطابات تتناسب مع الثقافة والطبيعة النفسية اليمنية وبهذه الرؤية نؤسس للحاضنة الثقافة والاجتماعية ..
ثانيا: نؤسس لاستراتيجية أكاديمية تجمع بين الثقافة والآخر بحيث تتوجه بآليتها الإعلامية نحو دوائر المجتمع الإقليمي والدولي.. بمعنى أن نخضع الخطاب الإعلامي للطرح الأكاديمي ضمن دوائر الفكر السياسي.
ثالثا: نؤسس للدبلوماسية الأكاديمية ، وهذه الرؤية هي التي تؤسس لمراكز النفوذ الدبلوماسي من خلال تنميط الشخصية برؤية موحدة
رابعا: مأسسة العمل السياسي الذي يمنحها مصداقية على المستوى الدولي.
خامسا: مأسسة الثقافة العسكرية: وتخضع لعملية التدوير والتنظيم ضمن عدة مستويات يجب العمل عليها وفق رؤية جيوسياسية وديمغرافية وتكنولوجية وسياسية…
سادسا: مأسسة الاقتصاد والتنمية ويخضع لعدة عوامل شمولية للجغرافيا والديمغرافيا والقدرات الأمنية والعامل الدولي..